للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فإن جَحَدَ منهم جَاحِدٌ وانْتَفَى مِنْ بَعْضِ ما حَكَيْنَا عَنْهُم، فلا تُصَدِّقُوهُم، فإنه دِينُهُم الذي يَعْتَقِدُونَهُ في أنفسهم، لا يَجْحَدُ ذَلِكَ مِنهُم إلا مُتَعَوِّذٌ مُسْتَتِرٌ، أو جاهلٌ بمذاهبهم لا يَتَوَجَّهُ بشيء منها، فقد اعترف لنا بذلك بعضُ كُبَرائِهم أو بما يشبه معناه، وأسندوا بعض ذلك إلى بعضِ المُضِلِّين من أشياخهم، فإلى اللهِ اشْكُوا رَأْيًا هذا تَأْوِيلُهُ، وقَوْمًا هذا إِبْطَالهُم لِعِلْمِ رَبِّنَا.

واللهِ لقد عَلِمَتِ الملائِكَةُ بما عَلَّمَهُمُ اللهُ ما هو كائنٌ من بني آدم من الفساد، وسَفْكِ الدِّمَاءِ قَبْلَ أن يُخْلَقُوا، فكيف خَالِقُهُم الذي عَلَّمَهُم ذلك؟ فقالوا: ... {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} فقال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.

ووصف الله هذه الأمة في التوراة والإنجيل قبل أن يُخْلَقُوا بصفاتهم، فكيف وصفهم من غير علم له بهم؟ فقال: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ} [الفتح: ٢٩]

قال: {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧)} [الأعراف: ١٥٦ - ١٥٧].

فَهَلْ كَانَ هَذا الوَصْفُ مِنَ اللهِ والإِخْبَارُ عَنْهُم، إلا لِعِلْمِهِ السَّابِق فيهم، فما قَدَرُوا أَنْ يَتَعدَّوا هذه الصفات ولا يَقْصُرُوا عن شيء مما وصفهم الله به قبل

<<  <   >  >>