للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

تبارك وتعالى أَنَّ القرآنَ كلامه، وادَّعت الجهمية أنه خَلْقُه، وأخبر الله تبارك وتعالى أَنَّه كَلَّمَ موسَى تَكليمًا (١)، وقال هؤلاء لم يُكَلِّمْهُ اللهُ بنفسه، ولم يسمع موسى نَفْسَ كلامِ اللهِ، إنما سمع كلامًا خرج إليه من مخلوق، ففي دعواهم؛ دعَا مخلوقٌ مُوسَى إلى ربوبيته فقال: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ} [طه: ١٢] فقال له موسى -في دعواهم-: صدقت، ثم أَتَى فِرْعَوْنَ يَدعُوهُ أن يجيبَ إلى ربوبيةِ مَخْلُوقٍ، كما أجاب موسى-في دعواهم- فما فَرْقُ بين موسى وفرعونَ في مذهبهم في الكفر؟ إذًا فَأَيُّ كُفْرٍ بِأَوْضَح (٢) مِن هَذَا؟!.

وقال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٠)} [النحل: ٤٠] وقال هؤلاء: ما قال لشيءٍ قَط قَولا وكلامًا كُن فكان، ولا يقوله أبدًا، ولم يخرج منه كلامٌ قط، ولا يخرج، ولا هُو يَقْدِرُ على الكَلامِ -في دعواهم- فَالصَّنَمُ -في دعواهم- والرَّحمَنُ بمنزلةٍ واحدةٍ في الكلام، فَأَيُّ كُفْرٍ بأوضح من هذا؟!.

وقال الله تبارك وتعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ} [المائدة: ٦٤] و {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] و {بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٢٦)} [آل عمران: ٢٦] وقال: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: ١٠].

قال هؤلاء: ليس لله يَد، وما خلق آدمَ بيديه، إنما يَدَاهُ نِعْمَتَاهُ ورِزْقَاهُ، فادَّعوا في يدي الله أَوْحَشَ مما ادَّعَتْه اليَهُودُ {قَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: ٦٤] وقالت الجهمية: يد الله مخلوقة؛ لأن النعم والأرزاق مخلوقة لا شك فيها، وذاك محالٌ في كلام العرب، فضلا أن يكون كفرًا؛ لأنه يستحيلُ أَنْ يُقال: خلق


(١) سقط حرف اللام من الناسخ في الأصل، فكتبها «تكيما».
(٢) كذا في الأصل.

<<  <   >  >>