للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فحين قال: {أَلَمْ تَرَ (١) أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة: ٧] قلنا هو معهم بالعلم الذي افتتح به الآية وختمها؛ لأنه قال في آي كثيرة ما حقَّقَ أنه فوق عرشه فوق سماواته، فهو كذلك لا شك فيه، فلما أخبر أنه مع كلِّ ذي نجوى، قلنا علمه وبصره معهم، وهو بنفسه على العرش بكماله كما وصف؛ لأنه لا يتوارى منه شيءٌ، ولا يفوتُ علمَهُ وبَصرَهُ شيءٌ في السماء السابعة العُليا، ولا تحت الأرض السابعة السُفلى، وهذا كقوله تعالى لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦)} [طه: ٤٦] من فوق العرش، فهل من حجة أشفى وأبلغ مما احتججنا عليك من كتاب الله تعالى؟

ثم الروايات -لتحقيق ما قلنا- مُتَظاهِرةٌ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والتابعين، سنأتي منها ببعض ما حضر إن شاء الله تعالى، ثم إجماعٌ من الأولين والآخرين العالمين منهم والجاهلين؛ أن كل واحد ممن مضى، وممن غبر، إذا استغاث بالله تعالى أو دعاه أو سأله؛ يَمُدُّ يديه وبصره إلى السماء، يدعوه منها، ولم يكونوا يدعوه من أسفل منهم من تحت الأرض، ولا مِن أَمَامِهم ولا من خلفهم ولا عن أيمانهم ولا عن شمائلهم، إلا من فوق السماء؛ لمعرفتهم بالله أنه فوقهم، حتى اجتمعت الكلمة من المصلين في سجودهم؛ سبحان ربي الأعلى، لا ترى أحدًا يقول ربي الأسفل!

حتى لقد علم فرعونُ -في كفره وعتوه على الله- أن الله - عز وجل - فوق السماء! فقال: {يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ (٣٦) أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كَاذِبًا} [غافر: ٣٦ - ٣٧].


(١) في الأصل تعلم وهو خطأ وقد وافق محقق المطبوعة الأصل في هذا الموضع أيضا!!

<<  <   >  >>