للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قال أبو سعيد: فهذه الأحاديث قد جاءت كُلُّها وأكثرُ منها في نزولِ الربِّ تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهلَ الفقهِ والبصرِ من مشايخنا، لا يُنْكِرُها منهم أحدٌ، ولا يمتنعُ من روايتها، حتى ظَهَرتْ هذه العِصَابَةُ؛ فعارضت آثار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، بِرَدِّ، وتَشَمَّرُوا لِدَفْعِهَا بِجِدٍ.

فقالوا: كيف نزوله هذا؟ قلنا: لم نُكَلَّف معرفة كيفيةِ نزولِهِ في ديننا، ولا تَعْقِلُهُ قلوبُنا، وليس كمثله شيءٌ من خلقه؛ فنشبه منه فعلا أو صفة بفعالهم وصفتهم، ولكن يَنْزل بقدرته ولُطْفِ ربوبيته كيف يشاء، فالكَيْفُ منه غَيرُ مَعقُولٍ، والإيمانُ بقولِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نزوله واجبٌ، ولا يُسْأَلُ الربُّ عما يفعل كيف يفعل، وهم يُسْأَلُون؛ لأنه القادر على ما يشاءُ أن يفعله كيف يشاء، وإنما يُقال لفعل المخلوق الضعيف -الذي لا قدرةَ له إلا ما أقدره الله تعالى عليه-: كيف يصنع، وكيف قدر؟

ولو قد آمنتم باستواء الربِّ على عرشه وارتفاعه فوق السماء السابعة بدءًا إذ خلقها -كإيمان المصلين به- لقلنا لكم: ليس نزوله من سماء إلى سماء بأشد عليه ولا بأعجب من استوائه عليها إذ خلقها بدءًا، فكما قَدَرَ على الأُولى منهما كيف يشاء؛ فكذلك يَقْدِرُ على الأخرى كيف يشاء، وليس قولُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - في نزوله بأعجب من قول الله تبارك وتعالى {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ} [البقرة: ٢١٠]، ومن قوله {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} [الفجر: ٢٢]، فكما يقدر على هذا يقدر على ذاك.

<<  <   >  >>