للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لَهُ: ارْوِهِ عَنِّي- أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْله الله لِإِبْلِيسَ: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: ٧٥] فَادَّعَى أَنَّ بِشْرًا قَالَ: «يَعْنِي الله بِذَلِكَ: أَنِّي وَلِيتُ خَلْقَهُ، وَقَوله ... {بِيَدَيَّ} تَأْكِيدٌ لِلْخَلْقِ، لَا أَنَّهُ خَلَقَهُ بِيَدٍ».

فَيُقَالُ لِهَذَا المَرِيسِيِّ الجَاهِلِ بِالله وَبِآيَاتِهِ: فَهَلْ عَلِمْتَ شَيْئًا مِمَّا خَلَقَ الله وَلِيَ خَلْقَ ذَلِكَ غَيْرُهُ، حَتَّى خَصَّ آدَمَ مِنْ بَيْنِهِمْ أَنَّهُ وَلِيَ خَلْقَهُ من غير مَسِيس بِيَدِهِ؟ فَسَمِّه! وَإِلَّا فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ الله لَمْ يَلي (١) خَلْقَ شَيْءٍ -صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ-؛ فَقَدْ كَفَرَ غَيْرَ أَنَّهُ وَلِيَ خَلْقَ الأَشْيَاءِ بِأَمْرِهِ، وَقَوْلِهِ، وَإِرَادَتِهِ، وَوَلِيَ خَلْقَ آدَمَ بيده مَسِيسًا، لَمْ يَخْلُقْ ذَا رُوحٍ بِيَدَيْهِ غَيْرَهُ، فَلِذَلِكَ خَصَّهُ وَفَضَّلَهُ، وَشَرَّفَ بِذَلِكَ ذِكْرَهُ، لَوْلَا ذَلِكَ مَا كَانَتْ لَهُ فَضِيلَةٌ في ذَلِك على شَيْءٍ مِنْ خَلْقِهِ، إِذْ خَلَقَهُمْ بِغَيْرِ مَسِيسٍ فِي دَعْوَاكَ.

وَأَمَّا قَوْلُكَ: «تَأْكِيدٌ لِلْخَلْقِ». فَلَعَمْرِي إِنَّهُ لَتَأْكِيدٌ جَهِلْتَ مَعْنَاهُ فَقَلَبْتَهُ، إِنَّمَا هُوَ تَأْكِيدُ اليَدَيْنِ، وتَحْقِيقُهُما وَتَفْسِيرُهُمَا، حَتَّى يَعْلَمَ العِبَادُ أَنَّهَا تَأْكِيدُ مَسِيسٍ بِيَدٍ، لَما أَنَّ اللهَ قَدْ خَلَقَ خَلْقًا كَثِيرًا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرَ مِنْ آدَمَ وَأَصْغَرَ، وَخَلَقَ الأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ، وَكَيْفَ لَمْ يُؤَكِّدْ فِي خَلْقِ شَيْءٍ مِنْهَما مَا أَكَّدَ فِي آدَمَ، إِذْ كَانَ أَمْرُ المَخْلُوقِينَ فِي مَعْنَى يَدَيِ الله كَمَعْنَى آدَمَ عِنْدَ المَرِيسِيِّ.

فَإِنْ يَكُ صَادِقًا فِي دَعْوَاهُ؛ فَلْيُسَمِّ شَيْئًا نَعْرِفُهُ، وَإِلَّا فَإِنَّهُ الجَاحِدُ بِآيَاتِ الله المُعَطِّلُ لِيَدَيِ الله.

وَادَّعَى الجَاهِلُ المَرِيسِيُّ أَيْضًا فِي تَفْسِيرِ التَّأْكِيدِ مِنَ المُحَالِ مَا لَا نَعْلَمُ


(١) كذا في الأصل و «س»، والجادة أن يحذف حرف العلة جزمًا، ولكن إثباته يقع في الحديث كثيرا، وله عدة أوجه ذكرها ابن مالك في «شواهد التوضيح» (ص ٢٠ - ٢٢).

<<  <   >  >>