للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصيب الناس من زوال نعمة عنهم، فإنما سببه حادث وقع منهم. أما ترك الشكر، وأما ارتكاب معصية بعد إحسان الله تعالى بالخوف. وقد يجوز أن يكون هذا الكلام خارجًا عن الأغلب الأكثر، أي فإذا كان هذا هكذا، فلا تحزنوا من المصيبة إذا وقعت، وارجعوا باللوم على أنفسهم، ويحفظوا من الأسباب المؤدية إلى المصائب قبل أن تقع لئلا تقع. وهذا فإن المصيبة بما يمكن بحكم العادة أن تدوم كالصحة والثروة والذكر الحسن والعلم والحكمة ونحوها والله أعلم.

وأما قول الله عز وجل: {ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب} يحتمل- والله أعلم- ما أصاب من مصيبة عامة ولا خاصة إلا وقد كتبها الله في اللوح المحفوظ من قبل أن يرفعها وينزلها، فقد أعلمكم ذلك، وبينه لكم لكيلا تأسوا على ما فاتكم، وتعلموا أن الغبطة كانت مقدرة بالوقت الذي جاوزتكم فيه. ومن أعطى شيئًا إلى وقت لم يمنع إذا استرجع منه بعد ذلك أن يحزن. ولا تفرحوا بما أتاكم، أي لا تسروا به وتنظروا به وتتكبروا به، على من لم يؤت مثله ما أتيتم، لأنه عارية عندكم وليست بملك. فإن حقيقة الملك لله عز وجل، وليس للمستعير أن يتبذخ بالعارية، لأنه لا يأمن في كل لحظة أن يسترجعها منه صاحبها، فنعم الدنيا هكذا والله أعلم.

وقال عز وجل: {إنما يتذكر أولوا الألباب، الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق} إلى قوله: {والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم وأقاموا الصلاة}. وقال: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}. وقال: {نعم أجر العاملين الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون}. والصبر في هذه الآيات ينتظم معاني: أحداهما: الصبر على كلف العبادات، وما يلحق النفس في إقامتها من المشقة. والآخر: الصبر على المصائب المؤلمة الكارثة. والثالث: الصبر على أذى المخالفين وما يفرغ للأسماع من قولهم السوء، واستهزائهم وسبهم وما يتصل بذلك من أمرهم. والرابع: الصبر على الشهوات ومجاهدة النفس في وقعها عما يهم به منها حلالها وحرامها. وجملة ذلك الصبر عما لا ضرورة

<<  <  ج: ص:  >  >>