للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمعوا للنملة نغمة ما، ثم بين لهم سليمان من مرادها ما لم يعرفوه.

ومنها إنطاق النبات لسليمان صلوات الله عليه، فقد روى إنه كان إذا أصبح كل يوم رأى حشيشة جديدة، قد نبتت بين يديه، فيقول لها: ما أنت ولما أنت؟ فتقول: أنا كذا وأصلح لكذا، فلما كان اليوم نبت فيه الخروب قال سليمان: قد إذن الله في حراب هذا المسجد.

ومثل هذا لا ينكر للأنبياء، صلوات الله عليهم، لأن آياتهم لو كانت من جنس الأمور المعهودة المألوفة لم يكن لهم فيها حجة لأنهم محتاجون إلى ما يميزهم عن غيرهم، والتمييز لا يقع بالأمر المشترك فواجب إذا كان تكون آياتهم كلها مباينة للعادات. وأيضا فإن الذي يقدر على أن ينطق غير النبات لا يعجزه أن ينطق بالنبات.

فإن قيل: إنما ينطق غير النبات بآلة المنطق، والنبات ليست له تلك الآلة!

قيل: إن الذي يسمى آلة المنطق ليس شيئا يقتضي المنطق بكل حال، لأنه لو كان لذلك، لما جاز أن يوجد ذو لسان أخرس، وفي وجودنا ذاك دليل على أن الله تعالى وضع للناس فإجرائهم عليها في أن لفظهم يكون باللسان، وإلا فاللسان والأصبع في جماد أن ينطقه الله فينطق سواء. وكذلك ما له لسان وما لا لسان له في ذلك سواء وبالله التوفيق.

ومنها ما جاء من إفهام الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم كلام الذئب، فقد روى أن نبينا صلى الله عليه وسلم جالسا بالمدينة في أصحابه إذ أقبل ذئب فوقف بين يديه، فعوى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا وفد السباع إليكم، فإن أحببتم أن تعرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتكم تركتموه واحترزتم منه، فما أخذ فهو رزقه. قالوا يا رسول الله ما تطيب أنفسنا بشيء، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم، فولى وله عسلان". فهذا يدخل في باب التعليم من وجه أن الذئب لما جاءه فسأله النظر بينه وبين أرباب المواشي، أعلمه الله مراده بعوائه ومحيه، ويدخل في باب التأييد من وجه إن فيه شهادة من الذئب بنبوته.

ومنها ما جاء من إفهام الله تعالى إياه رغاء البعير وحنينه. فيما يروي أن النبي صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>