للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلى هذا يقال: ما يصلح للحكم بين الناس فلان وفلان، فبدأ بالادونه، وإذا قي: ما يدفع عن الحكم فلان ولا فلان بدئ بالأفضل.

وإذا قيل: ما يرضى الأمر فلان وفلان، وأريد به تقبيحه بدئ بالأفضل، لأنه قد يدرك برأيه من الخلل الذي فيه ما لا يدركه الذي دونه فيدعوه ذهابه عليه إلى أن يرضى به، فيفي هذا المعنى باتباع الادون الأفضل ليدل به على إيضاح وجه الأمر، وانتفاء اللبس عنه.

وإذا قيل: ما يكره هذا الأمر فلان وفلان، وأريد به بخسه بدئ للأدون لأنه يخفي عليه بعض ما فيه، فلذلك لا يكرهه، فأما من هو أعلى فإنه كوقوفه على حقيقته بكرهه لينفي هذا المعنى بعطف الأعلى على الأدون والله أعلم.

وحجة أخرى: هو أن الله جل ثناؤه أخبر عن آدم وحواء عليهما السلام أنه نهاهما عن أكل الشجرة {إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين، وقاسمهما إني لكما من الناصحين}.

فلو لم يعلم آدم صلوات الله عليه أن الملك أفضل من البشر لما استطاع ابليس أن يغره بأن شبه عليه أنه نهى عن أكل الشجرة لئلا يكون ملكاً، وفي نفاد الغرور له عليه من هذا الوجه ما يدل على أن الملك عند آدم أفضل من البشر.

وحجة ثالثة: وهي أن الله تعالى جعل الملائكة شفعاً لبني آدم فقال: {الذي يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا} ومعلوم أن استعفار الملائكة لبني آدم ليس لحق بني أدم فيقضونه بالإستغفار لهم، كاستغفار الولد لأبويه، ولا هو على معنى التعاونه كاستغفار بني آدم بعضهم لبعض لأنهم يستغفرون لبني آدم ولا حاجة بهم إلى أن يستغفر بنو آدم لهم. فصح أنه من جنس الشفاعة منهم لبني آدمخ كاستغفار النبي لأمته، وفي ذلك يتأول على أنهم أفضل من الذين يستغفرون لهم، كما أن كل نبي فهو أفضل من أمته والله أعلم.

وحجة رابعة: وهو أن يرسله الله تبارك وتعالى إلى أحد فهو أفضل من المرسل إليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>