للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطالب ملاحظا في طلبه قواه ومكائده وحيله لم يكن مجملاً للطلب، وكان ذلك منفيا عنه والله أعلم

وأما قوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود: (لا تكثر همك فما تقدر يكن وما ترزق يأتك) فليس فيه المنع من الطلب، وإنما فيه المنع من الهم، وذلك على أصل الحرص الشديد، لا يزال أحدهم جده واجتهاده مهموما قلقا يخشى أن يضيع ما عنده، ولا يأتيه ما ليس عنده، وذلك خلاف التوكل، وإنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه لا عن الطلب، فمن طلب من الوجه المأذون فيه، وفوض أمره في اتجاه طلبه وأرباح تجارته، وإحسان عقبى حراثته إلى الله تعالى، وآمل منه الخير والبركة فلا عتب عليه والله اعلم.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (أنا عند ظن عبدي بي فليظن ما شاء إن خيرًا أو شرًا). فلا دليل منه على كراهية السعي والطلب، ألا ترى أنه لا يدخل في هذه الجملة أن يكون الطعام جاهزًا والحاجة واقعة، فيمتنع المحتاج إلى الأكل ظنًا أن يصير إليه الطعام إلى جوفه من غير مس منه، ولا إيصال إليه. ولا من يريد بدلاً لحاجة عرضت له فيه، ومعه الزاد والراحلة، والطريق آمن مسلوك خصب فلا ينهض مع السيارة إليه، ولكنه يلزم مكانه، ظنًا أن يلقيه الله تعالى ذلك البلد من غير كلفة منه. فكذلك لا يدخل فيها من لا يكسب ما يصيبه من مال غيره، وهو قادر على الكسب، والدليل على صحة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي).

وفي رواية. (ولا لذي مرة مكتسب محرم عليه الصدقة لقدرته على الكسب فلو لم يلزم الكسب لوقى على نفسه حاجتها، لما حرمت عليه الصدقة، إذا كان قادرًا على الكسب والله أعلم.

وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله يحب المؤمن المحترف) وقال عقبة بن عامر قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله عز وجل يلوم بالعجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا

<<  <  ج: ص:  >  >>