للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جملها. وكان عبد الله يؤيد الناس على هذا، فيقول: من يقم الحول يصبها. فقال أبي بن كعب، والله لقد علم ابن عبد الرحمن أنها في رمضان، لكنه أراد أن يعمي على الناس لئلا يتكلون. وأما أنه انسبها قليلا يسأل عن شيء من أمر الدنيا فلا يخبرنه، أو لأنه كان محيولاً على أكرم الأخلاق وأحسنها، وعلم الله تعالى من قلبه الرأفة نبأ منه، وأنه ليس عليه أن يسأل شيئًا مما عنده، فيبخل به، فأنساه علم بهذه الليلة حتى إذا سئل عنها لم يخبر بها، لم يكن كأنما علم عنده.

وذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى هذه الليلة ثم أنسيها. ورأى أنه يسجد في صبحتها في ماء وطين. فقال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: كان ذلك ليلة ثلاث وعشريين، قال عبد الله بن أنيس: مطرنا ليلة إحدى وعشرين، فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من صبحتها -فانصرف، وإني أرى الماء والطين على أنفه وجبهته، ثم جاء مع هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليلة القدر ليلة أربع وعشرين).

وروى ابن عباس رضي الله عنه أن رجلا قال: يا نبي الله، أتي رجل شيخ كبير، يشق علي القيام، فمرني بليلة، لعل الله تعالى يرقبني فيها ليلة القدر، فقال: (عليك بالسابعة) بهذا يدل على أنها ليلة سبع وعشرين. ولابد من تأويل هذه الأخبار بعد أن قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رأيت هذه الليلة ثم أنستها).

فنقول -وبالله التوفيق -: وقد يجوز أن يكون أبو سعيد تنبأ له عن ليلة القدر وقد مضت من تلك السنة. فقال: هي ليه ثلاث وعشرين، أي كذلك لا شك، ثم لا يدري أن تكون في القابلة فيها أو في غيرها.

وكذلك قوله لثلاث: فأما قوله للسائل (بالسابعة). فيحتمل أنه كان الأغلب على ظنه في تلك السنة أنه ليلة سبع وعشرين. فلذلك أمره بها. والرجل لم يسأله عنها قطعًا، وإنما سأله عن ليلة لعلمه يوافق فيها ليلة القدر. وحاصل هذه الليلة يمكن أن

<<  <  ج: ص:  >  >>