للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك الفلاسفة: يسمون الله العلة الأولى؛ يعني التي صدر عنها العالم صدورًا ذاتيًا لا صدور المفعول عن فاعله؛ بل صدور المعلول عن علته التامة , ومن أجل ذلك قالوا بقدم العالم , لأن معلول العلة التامة يكون قديما بقدمها.

والنوع الخامس من أنواع الإلحاد في أسمائه: أن يسمى بها بعض المخلوقات , أو يشتق لبعض المخلوقات منها على الوجه المختص بالله.

واللفتة الأخيرة في كلام الشيخ جيدة وهي قوله: (فتسمية غيره بها على الوجه الذي يختص بالله - عز وجل - ميل بها عما يجب فيها) وإلا فقد جاء لفظ الاشتقاق في قول حسان (١):

وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد

ففيه التقاء في مطلق المعنى , وهكذا ما جاء في الحديث في شأن الرحم أن الله اشتق لها من اسمه الرحمن؛ فهو الرحمن وهي الرحم (٢) , ومن هذا النوع ما قيل: إن المشركين اشتقوا لآلهتهم أسماء من أسماء الله كالعزى من العزيز , العزة المقتضية للإلهية والعبادة.

فتشعبت وتنوعت طرائق الملحدين في أسماء الله , والله تعالى يقول: " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا اللذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون " [الأعراف ١٨٠]، وفي هذا تهديد للملحدين.

والتحريف يكون كفرًا، ويكون فسقًا ومعصيةً، ويكون خطًأ؛ فقد يقع بعض الناس في شيء من الإلحاد خطأ، وقد يكون ناتجًا عن شبهة , وإلا فالأصل أَنَّ جحدَ شيءٍ مما أخبر الله به ورسوله كفر.


(١) ديوان حسان بن ثابت (ص ٤٩)، وَنُسِبَ هذا البيت لغيره.
(٢) أخرجه أبو داود في سننه (١٦٤٩)، والترمذي في سننه (١٩٠٧) من حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -. وقال الترمذي: حديث سفيان عن الزهري حديثٌ صحيح.

<<  <   >  >>