للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الباطن، فقال -رحمه الله تعالى-: «لو نقدر أن السلطان ظلم أهل المغرب ظلمًا عظيمًا في أموالهم وبلادهم، ومع هذا خافوا استيلاءهم على بلادهم ظلمًا وعدوانًا، ورأوا أنهم لا يدفعونهم إلا باستنجاد الفرنج، وعلموا أن الفرنج لا يوافقونهم إلا أن يقولوا: نحن معكم على دينكم ودنياكم، ودينكم هو الحق، ودين السلطان هو الباطل، وتظاهروا بذلك ليلاً ونهارًا، مع أنهم لم يدخلوا في دين الفرنج، ولم يتركوا الإسلام بالفعل.

لكن لما تظاهروا بما ذكرنا، ومرادهم دفع الظلم عنهم، هل يشك أحد أنهم مرتدون في أكبر ما يكون من الكفر والردة؟ إذا صرحوا أن دين السلطان هو الباطل، مع علمهم أنه حق، وصرحوا أن دين الفرنج هو الصواب» (١).

وهذا مثل رائع عملي دال على أن الكفر يقع عند أهل السنة بالقول ولو لم يصاحبه اعتقاد، وبالفعل وإن تجرد عن تغير الاعتقاد، ويكون بالاعتقاد من التصديق والتكذيب، والحب والبغض، ولو لم يقارنه قول أو عمل.

وأما من قال نظريًا الكفر يقع بالقول، وبالعمل، وبالاعتقاد، ثم عمليًا تراه لا يوقعه إلا بالجحود والاستحلال فهذا يكون من رؤوس أئمة الجهمية الخبيثة، ويجب على الموحدين أن يفضوا أيديهم منه في مسائل تلقي الإيمان والكفر.

وقبل الانتقال عن ذكر مسألة الإكراه على الكفر، نذكر بأن المحققين من العلماء أوجبوا على المكره استخدام المعاريض قدر المستطاع، وما ذاك إلا


(١) الدرر السنية (١٠/ ١١٦ - ١١٧).

<<  <   >  >>