للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والبخاري من حديث أبي صالح عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أبو خزاعة» (١).

هذا من العلم المشهور: أن عمرو بن لحي هو أول من نَصَب الأنصاب حول البيت. ويقال: إن جلبها من البلقاء من أرض الشام، متشبهًا بأهل البلقاء. وهو أول من سَيَّب السائبة. ووصل الوصيلة. وحم الحامي. فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه «رآه يجر قصبه في النار» وهي الأمعاء، ومنه سمي القَصَّاب بذلك، لأنها تشبه القَصَب.

ومعلوم أن العرب قبله كانوا على ملة أبيهم إبراهيم، على شريعة التوحيد والحنيفية السمحة، دين أبيهم إبراهيم فتشبهوا بعمرو بن لحي، وكان عظيم أهل مكة يومئذ، لأن خزاعة كانوا ولاة البيت قبل قريش، وكان سائر العرب متشبهين بأهل مكة لأن فيها بيت الله، وإليها الحج، ما زالوا معظَّمين من زمن إبراهيم عليه السلام. فتشبه عمرو بمن رآه في الشام. واستحسن بعقله ما كانوا عليه، ورأى أن في تحريم ما حرمه من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي تعظيمًا لله ودينًا (٢).


(١) صحيح البخاري (٣٣٣٢).
(٢) لم يكن عمرو بن لحي حرم هذه الأنعام والحرث تحريمًا مطلقًا على كل أحد ولكنه جعلها وقفًا وحبسًا على أوليائهم وأوثانهم، وعلى سدنتها والعاكفين عندها. «والبحيرة» و «السائبة»، و «الوصيلة» و «الحامي» أسماء لكل نوع منها.
فالبحيرة: التي بحرت أذنها، أي شقت وسمة لها وتخصيصها من غيرها من بقية الأنعام، حتى تعرف بذلك أنها خاصة بفلان من آلهتهم.
والسائبة: المسيبة. ترعي حيث تشاء لا تمنع. لأن لها حقًّا في كلأ كل أحد، كما لمن سميت باسمه وحبست له من هذا الحق في مال الجميع.
والوصيلة: التي وصلت بولادتها الإناث متتابعات.
والحامي: الذي حمى ظهره لأنه نسل من ضرابه عشرة أبطن.
والحرث: من أنواع الطعام الذي يصنع في أعياد الآلهة وموالدها.
وهذا كله موجود اليوم فيمن يتسمون المسلمين: يحرمون الشاة على أهليهم وأنفسهم إلا إذا جاء موعد نذرها لفلان من الأولياء، أو في مولده. وكذلك بقية ما يصنعون من الأطعمة؛ قاله الشيخ محمد حامد الفقي -رحمه الله تعالى- في تعليقه على الكتاب محل النقل.

<<  <   >  >>