للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دليل التركيب]

الدليل الثالث: وهو الدليل الذي استعمله من يسمون بالفلاسفة الإسلاميين، وهو دليل التركيب، وهذا هو الذي بسطه ابن سينا في كتبه: كالإشارات والتنبيهات، وإن كان ابن سينا رجلاً له انتظامان في الفلسفة:

الأول: انتظام عقلي نظري.

الثاني: انتظام صوفي إشراقي، أي: أنه تارةً يكون كذا وتارةً يكون كذا.

وهو في كتبه مرة على هذا التصنيف ومرة على هذا التصنيف.

ومثال هذا: أن من أشهر كتب ابن سينا الإشارات والتنبيهات، هذا الكتاب مركب من الفلسفة النظرية والفلسفة الإشراقية، ولهذا يتكلم في مقامات العارفين كلاماً صوفياً إشراقياً، ويتكلم في مسائل التجريد كلاماً نظرياً عقلياً أحياناً.

وفي كتابه الشفاء يستعمل -في الغالب- الطريقة الأرسطية، وإن كان أحياناً يدخل عليه الكلام في مسائل الإشراق والتصوف؛ ولهذا لما صنف كتاب الشفاء -وهو أكبر كتبه الفلسفية- قال: وما أودعناه في هذا الكتاب فهو جرياً على عادة المشائين وأما الحق الذي لا جمجمة فيه فهو ما أودعناه في الحكمة المشرقية يقصد الطريقة الصوفية.

المهم: أن دليل التركيب هو المستعمل عند ابن سينا، وأبي نصر الفارابي، وأبي الوليد بن رشد ..

إلخ.

فهؤلاء المتفلسفة الذين انتسبوا للإسلام هم الذين استعملوا دليل التركيب.

وهو دليل يقارب دليل الأعراض في النتيجة لكنه أغلى، أي: دليل غال في النتيجة؛ ولهذا أصحابه يبالغون في تعطيل الباري سبحانه وتعالى عن الصفات والأفعال.

ولهذا كان مذهب ابن سينا -صاحب هذا الدليل- أن وجود الله وجود مطلق مجرد عن الصفات الثبوتية، وإنما يوصف بالسلوب والإضافات والمركبات، وهذا تعطيل لصفات الباري سبحانه وتعالى.

وابن سينا هذا ليس له مقام يعرف، فقد كان إسماعيلي المذهب، باطني النشأة، ثم دخل في الفلسفة، واشتد قوله فيها، حتى أتى بمقالات الملاحدة الأرسطية وغيرها على طريقة معروفة في كتبه.

المهم: أن هذه الأدلة الثلاثة هي معاقد الاستدلال عند المخالفين للسلف في بناء مذاهبهم التي عطلوا بها صفات الله أو عطلوا بعضها، وهذه هي التي قصدها المصنف في قوله: على أمور عقلية.

إذاً: الأمور العقلية صنفان:

١ - صنف تفصيلي: وهذا لا عبرة به كثيراً؛ لأن أصحابه أنفسهم يتعارضون فيه.

٢ - صنف هو معقد المذاهب، وهو ثلاثة أدلة: التخصيص، الأعراض، التركيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>