للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اعتماد نفاة العلو على طريقة السبر والتقسيم في نفي العلو]

هنا قد يقول قائل: كيف انتهى مذهب المعتزلة والمتأخرين من الأشاعرة إلى نفي هذه المسألة؟

نقول: إذا عُرفت قاعدة هؤلاء في طرق تحصيلهم لصواب قولهم وغلط المقابل له يزول هذا الإشكال:

هذه الطوائف يستعملون طريقةً منطقية مأخوذة من المنطق الأرسطي، وهي ما تسمى في المنطق المترجم بطريقة السبر والتقسيم، وهي: أن يفرض في هذه المسألة جملة من الأقوال العقلية بحيث لا تخرج الفرضية العقلية عن هذه الأقوال، فإذا فرضوا القسمة -مثلاً- بأربعة فإنهم يقصدون إلى إبطال ثلاثة، والباقي يكون هو الحق دون أن يحتاج إلى استدلال آخر، وإذا فرضوا القسمة باثنين فإنهم يبطلون واحداً فيكون الباقي هو الحق؛ لأنه إن فرض بطلانه لزم رفع النقيضين -كما يقولون- ورفع النقيضين ممتنع.

وهذه الطريقة يقول عنها شيخ الإسلام رحمه الله: إنها من أضعف الطرق في العقل.

فهؤلاء المعتزل قالوا: إما أن يكون الله في السماء.

ولم يفهموا من أنه في السماء إلا كما يكون الملائكة في السماء، وكما تكون الجنة في السماء، أي أنه شيء مخلوق يحوي الباري سبحانه وتعالى ويحيط به .. !

أو يُنفى عن الله سبحانه وتعالى هذا الوصف مطلقاً، ويقال كما يقول المتفلسفة: لا داخل العالم ولا خارجه.

أو يقولون: ليس له مكان، أو لا يقبل العلو، أو لا يقبل الجهة ..

إلى غير ذلك.

فهم يحصلون بالعقل وحتى بالشرع أن الله لا يليق به أن يكون في السماء، بمعنى أنه في سماء تحويه كما أن الملائكة في السماء والجنة في السماء ..

أليس هذا منتفياً بالعقل والشرع؟ فلما نزهوا الله عن هذا -وهذا حق- ظنوا أنه لا يبقى إلا ما يقابله، وهو شيء واحد، وهو: أنه ينفى العلو عن الله مطلقاً، ويقال: ليس له مكان، أو يقال -كما تقول المتفلسفة ومن شاركهم من المعتزلة-: لا داخل العالم ولا خارجه، أو يقال: لا يوصف بأنه داخل العالم ولا خارجه، أو لا يقبل الأين أو لا يقبل الزمان والمكان ..

وهلم جرا من الإطلاقات التي يستعملونها في هذا الباب.

فطريقة السبر والتقسيم هي معتبرهم، ولهذا إذا نظرت في استدلال المعتزلة على مسألة العلو تجد أن كل الأدلة التي نفوا بها العلو تتجه إلى أن إثبات العلو يستلزم إثبات قديم مع الله؛ لأنهم فهموا أن الله في السماء، أي: أنه في سماء تحويه، وبالطبع ليس هذا هو فهم السلف، بل قال أبو حنيفة رحمه الله: من زعم أن الله في سماء كما أن الملائكة في السماء فقد كفر بالله العظيم.

ولهذا تجد المعتزلة يقولون: لو كان في سماء للزم تعدد القدماء لأنهم لم يفهموا من كونه في السماء إلا كما تكون الملائكة في السماء، من أن هذا ليس هو مذهب السلف رحمهم الله.

إذاً: طريقة السبر والتقسيم هي التي استعملها المخالفون في تقرير مذهبهم، كذلك لما جاءوا لمسألة تعارض العقل والنقل نظموها على طريقة السبر والتقسيم كما سيأتي إن شاء الله في كلام المصنف وهذه الطريقة طريقة غلط.

<<  <  ج: ص:  >  >>