للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[غلط نفاة العلو في طريقة السبر والتقسيم]

كيف نقول: إنها غلط؟

من جهة أن الحق ليس فيما سبروه وقسموه، فإنهم سبروا في مسألة العلو باثنين:

الأول: نفي العلو مطلقاً.

الثاني: إثبات الحلول.

فيقال: الحق ليس في هذا ولا في هذا، بل الحق أن الله فوق سماواته بائن من خلقه، وهو غني عن الخلق.

وكيف يكون سبحانه وتعالى محتاجاً إلى شيء من الخلق وقد وسع كرسيه السموات والأرض؟!

وكيف يكون محتاجاً إليهم وهو الذي خلقهم؟!

فكل هذا مما يخالف ضرورة العقل فضلاً عن دلائل الشرع.

إذاً المحصل: أن طريقة السبر والتقسيم هي الطريقة التي يستعملها المخالفون للسلف في تحقيق مذهبهم.

ومعنى السبر أنهم يسبرون الفروضات العقلية في المسألة المعينة.

والتقسيم هو: إيراد الابتلاء للمسألة حتى يتحقق الحق منها ويتبين الغلط، فيقولون: الأول يمتنع، وهو أنه سبحانه وتعالى يوصف بالحلول، فلما امتنع هذا علم بالضرورة أن الحق في الثاني؛ لأنه لم يبق إلا هو.

نقول: (لم يبق إلا هو) هذه دعوى؛ لأن الحق ليس في هذا القول ولا وفي هذا القول.

وهذا مثل مسألة: أن طريقة السلف التفويض وطريقة الخلف التأويل، يظنون أنه لا يصح في هذا الباب إلا أحد مسلكين؛ ولهذا لما رجع الجويني عن التأويل رجع للتفويض؛ لأنهم يظنون أنه لا يمكن في العقل إلا تفويض أو تأويل، والحق ليس في هذا ولا هذا.

ومثله في القدر، فهم يسبرون بطريقتين، يقولون: إما أن يقال بالجبر وإما أن يقال بالقدر، إما العبد مجبور أو العبد مستقل يخلق فعل نفسه.

فالمذاهب المخالفة تدور على هذين المذهبين، والصواب أن السبر من أصله غلط؛ فإن الحق ليس في الجبر ولا في الاستقلال، والحق ليس في التفويض ولا في التأويل، والحق ليس في الحلول ولا في نفي العلو ..

وهلم جرا.

فهذه الطريقة -أعني: طريقة السبر والتقسيم- هي طريقة شائعة في كلام المخالفين، مع أنهم بهذه الطريقة إنما يحصلون نفي الأول -إذا كان السبر والتقسيم باثنين- ولا يحصلون إثبات الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>