للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأدلة على أن المراد بنفي الإيمان عمن ارتكب بعض المعاصي نفي كماله لا أصله]

[وقد وجدنا مع هذا شواهد لقولنا من التنزيل والسنة، فأما التنزيل فقول الله جلّ ثناؤه في أهل الكتاب حين قال: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ} [آل عمران:١٨٧]

قال أبو عبيد: حدثنا الأشجعي عن مالك بن مغول عن الشعبي في هذه الآية قال:

(أما إنه كان بين أيديهم، ولكن نبذوا العمل به).

ثم أحل الله لنا ذبائحهم ونكاح نسائهم فحكم لهم بحكم الكتاب إذا كانوا به مقرين، وله منتحلين، فهم بالأحكام والأسماء في الكتاب داخلون، وهم لها بالحقائق مفارقون، فهذا ما في القرآن.

وأما السنة فحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يحدث به رفاعة في الأعرابي الذي صلى صلاة، فخففها فقال له رسول الله صلى الله عليه: (ارجع فصل، فإنك لم تصل) حتى فعلها مراراً كل ذلك يقول: (فصل) وهو قد رآه يصليها، أفلست ترى أنه مصلٍ بالاسم، وغير مصل بالحقيقة، وكذلك في المرأة العاصية لزوجها، والعبد الآبق، والمصلي بالقوم الكارهين له أنها غير مقبولة.

ومنه حديث عبد الله بن عمر في شارب الخمر: (أنه لا تقبل له صلاة أربعين ليلة) وقول علي عليه السلام: (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) وحديث عمر رضي الله عنه في المقدم ثقله ليلة النفر: (أنه لا حج له) وقال حذيفة: (من تأمل خلق امرأة من وراء الثياب وهو صائم أبطل صومه).

قال أبو عبيد: فهذه الآثار كلها وما كان مضاهياً لها فهو عندي على ما فسرته لك وكذلك الأحاديث التي فيها البراءة، فهي مثل قوله: من فعل كذا وكذا فليس منا، لا نرى شيئاً منها يكون معناه التبرؤ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا من ملته].

قوله: "فهو عندي على ما فسرته لك" أي: أنها نفي لتمام الإيمان الواجب.

[إنما مذهبه عندنا أنه ليس من المطيعين لنا، ولا من المقتدين بنا، ولا من المحافظين على شرائعنا

وهذه النعوت وما أشبهها.

وقد كان سفيان بن عيينة يتأول قوله: (ليس منا) أي: ليس مثلنا وكان يرويه عن غيره أيضاً، فهذا التأويل وإن كان الذي قاله إمام من أئمة العلم فإني لا أراه، من أجل أنه إذا جعل من فعل ذلك ليس مثل النبي صلى الله عليه وسلم، لزمه أن يصير من يفعله مثل النبي صلى الله عليه وسلم، وإلا فلا فرق بين الفاعل والتارك وليس للنبي صلى الله عليه وسلم عديل ولا مثل من فاعل ذلك ولا تاركه.

فهذا ما في نفي الإيمان وفي البراءة من النبي صلى الله عليه وسلم إنما أحدهما من الآخر وإليه يؤول].

" يتأول" أي: يفسر، "ليس مثلنا" أي: أنه ليس على شريعتنا المحققة الواجبة، ولم يرد سفيان بقوله: "ليس مثلنا" أي: أنه ليس كالنبي صلى الله عليه وسلم في التمام والإيمان، فإنه لا أحد -حتى من لم يغش- يكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما مراده وأمثاله من السلف: أن هذا التارك لهذا العمل أو الفاعل لهذه الكبيرة قد خرج عن الولاية النبوية العامة، ولهذا أصبح لا يضاف إليه في مثل هذا المقام، وهذا يدل على أن هذه الفعلة كبيرة، أو أنها تركٌ لواجبٍ من واجبات الشريعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>