للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تضعيف البعض لأثر ابن عباس: أن ترك الحكم بما أنزل الله كفر دون كفر]

المسألة الثانية: وهي أن بعض من تكلم عن هذه المسألة -ولا سيما ممن ينزع إلى أن المقصود بالآية الكفر الأكبر المخرج من الملة- إذا ورد عليه ما روي عن ابن عباس أنه كفرٌ دون كفر، قال: هذا لم يصح عن ابن عباس، ومعتبره في عدم الصحة: أن الأسانيد التي روى بها ابن جرير في تفسيره هذه الآثار عن ابن عباس وأصحابه أسانيد منقطعة، وفيها إعلال من وجهٍ آخر.

وعلى هذا يقول من يقول ممن يفسر الحكم بغير ما أنزل الله أنه كفر أكبر: إن هذا لم يصح عن أحدٍ من السلف، ونسبته إلى ابن عباس وأصحابه غير صحيحة لانقطاع إسنادها.

وهذا غلط، بل الصواب: أن هذا قولٌ معروفٌ لـ ابن عباس.

فإن قيل: فالإسناد عند ابن جرير ليس بصحيح أو منقطع أو ما إلى ذلك من التعبيرات.

قيل: وليكن ذلك، ومن قال إن مدار أقوال ابن عباس على إسناد ابن جرير.

فإن قيل: فيلزم على هذا أن إثبات إسناد آخر غير ما ذكر ابن جرير يصح إلى ابن عباس.

قيل: إما أن يلزم هذا أو يكتفى بتصريح الأئمة بأن هذا قول لـ ابن عباس ..

وهذا هو الذي يجزم به، فإنه لم يقع لي إلى الآن أن أتأكد من وجود أسانيد أخرى لـ ابن عباس.

لكن الذي يجزم به أن هذا قولٌ معروف ل ابن عباس.

ووجه الجزم به: أن الأئمة الكبار كانوا يعتبرونه قولاً لـ ابن عباس، فالإمام أحمد كان يقول بهذا القول في بعض تفسيره للآية وينسب هذا القول إلى ابن عباس.

والإمام البخاري يفسر الآية بهذا التفسير ويضيف هذا القول إلى ابن عباس، والمصنف كذلك -وهو من أهل الحديث والفقه واللغة- يرويه إلى ابن عباس.

وبهذا يظهر أن جملة من السلف نصوا على أن هذا قولٌ لـ ابن عباس، وأن الإسناد الذي عند ابن جرير إنما هو أحد الأسانيد، ومن المعلوم أن بعض الأحاديث لها عند بعض المحدثين أسانيد مظلمة، مع أن الحديث قد يكون من الأحاديث المتفقة عليها بين أهل الحديث.

إذاً: إسنادٌ واحد ليس مقياساً للصحة أو للضعف كما هو معروفٌ عند أهل العلم.

ثم إنه في الجدل والنظر: من الذي يمنع أن ابن عباس يريد هذا؟ هل ابن عباس أراد أن الحكم بغير ما أنزل الله في جميع صوره ليس كفراً مخرجاً من الملة؟ هذا ليس مراده، ويمتنع أن ابن عباس وغيره من أهل العلم دونه يريدون ذلك، إنما أراد أن منه صوراً ليست مخرجة من الملة، وهذا ليس محل جدل.

فهذه الصور التي ليست مخرجة من الملة، وهي حكم بغير ما أنزل الله هذا لا يوجب إلا شيئاً واحداً، وهو أنها تسمى كفراً، ولهذا قال ابن عباس: كفر دون كفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>