للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[من الأدلة على أن الأعمال الظاهرة تدخل في مسمى الإيمان]

[والشهيد على أن الصلاة من الإيمان قول الله عز وجل: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} [البقرة:١٤٣] وإنما نزلت في الذين توفوا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وهم على الصلاة إلى بيت المقدس، فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم فنزلت هذه الآية، فأي شاهد يلتمس على أن الصلاة من الإيمان بعد هذه الآية؟].

(وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي: صلاة من صلى إلى بيت المقدس، وعلى هذا درج أئمة التفسير من الصحابة وغيرهم، وهذه الآية من أخص دلائل السلف على أن الأعمال الظاهرة تدخل في مسمى الإيمان، وإذا دخل واحد منها -ولو كان هو الأشرف- فإن غيره يكون كذلك.

وقد أجاب المرجئة عن هذه الآية فقالوا: معنى قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي: تصديقكم الأول بالصلاة إلى بيت المقدس.

ومعنى كلامهم أن هناك أمرين وقت الصلاة إلى بيت المقدس:

الأمر الأول: التصديق بالصلاة إلى بيت المقدس واعتقاد أن هذا حكم.

الأمر الثاني: العمل.

فهم يقولون: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي: تصديق المصدقين بوجوب الصلاة إلى بيت المقدس.

فنقول: هذا ليس بصحيح من جهة النظر في سياق الآية لغة وشرعاً وعقلاً؛ لأن التصديق بالصلاة إلى بيت المقدس في تلك المرحلة لم يكن تصديقاً قصد الشارع رفعه، إنما قصد إيجاد حكم آخر من التصديقات؛ فإنه يمتنع أن يتبادر إلى ذهن أحد من المكلفين الذين صلوا إلى بيت المقدس أو من بقي من أقاربهم أن تصديقهم الأول قد فسد، لكن الذي قد يتبادر إلى الذهن هي مسألة العمل، حيث إن هؤلاء اتجهوا إلى بيت المقدس وهؤلاء اتجهوا إلى الكعبة.

[فلبثوا بذلك برهةً من دهرهم، فلما أن داروا إلى الصلاة مسارعةً وانشرحت لها صدورهم أنزل الله فرض الزكاة في إيمانهم إلى ما قبلها، فقال: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:١١٠] وقال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التوبة:١٠٣] فلو أنهم ممتنعون من الزكاة عند الإقرار، وأعطوه ذلك بالألسنة، وأقاموا الصلاة غير أنهم ممتنعون من الزكاة كان ذلك مزيلاً لما قبله، وناقضاً للإقرار والصلاة، كما كان إباء الصلاة قبل ذلك ناقضاً لما تقدم من الإقرار.].

من فقه المصنف رحمه الله أنه يعبر بالامتناع، وقد تقدم أن هناك فرقاً بين الامتناع وبين الترك، فإن الامتناع يقارنه إباءُ في القلب، بخلاف الترك؛ فإنه من جنس ترك الفساق، ولذا كان الممتنع من الصلاة كافراً بلا خلاف بين السلف، وكذلك الممتنع من الزكاة على شرط معروف فيه يأتي ذكره إن شاء الله، بخلاف التارك فهو محل نزاع كما سيأتي إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>