للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفاضل الإيمان بالأعمال الظاهرة والباطنة]

[ومما يصدق تفاضله بالأعمال قول الله جل ثناؤه: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:٢] إلى قوله: {أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} [الأنفال:٤] فلم يجعل الله للإيمان حقيقة إلا بالعمل على هذه الشروط، والذي يزعم أنه بالقول خاصة يجعله مؤمناً حقاً وإن لم يكن هناك عمل فهو معاند لكتاب الله والسنة].

هذا دليل على أن الإيمان يتفاضل بالأعمال الباطنة والأعمال الظاهرة، أي: بأعمال القلوب وأعمال الجوارح، فإن قوله تعالى: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) وقوله: (وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) دليل على تفاضل الإيمان بهذا الوجه، وكذلك قوله: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ} [المائدة:٥٥] دليل على تفاضل الإيمان بذلك، فإن إقامة الصلاة ليست على وجه واحد بين المكلفين، بل هم متفاوتون في تحقيق إقامتها.

[ومما يبين لك تفاضله في القلب قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ} [الممتحنة:١٠] ألست ترى أنها هنا منزلاً دون منزل: {اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة:١٠] كذلك ومثله قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ} [النساء:١٣٦] فلولا أن هناك موضع مزيد، ما كان لأمره بالإيمان معنى، ثم قال أيضاً: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:١ - ٣] وقال: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ} [العنكبوت:١٠] وقال: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ} [آل عمران:١٤١].

أفلست تراه تبارك وتعالى، قد امتحنهم بتصديق القول بالفعل، ولم يرض بالإقرار دون العمل، حتى جعل أحدهما من الآخر؟ فأي شيء يتبع بعد كتاب الله وسنة رسوله ف ومنهاج السلف بعده الذين هم موضع القدوة والإمامة؟!

فالأمر الذي عليه السنة عندنا ما نص عليه علماؤنا مما اقتصصنا في كتابنا هذا: أن الإيمان بالنية والقول والعمل جميعا، وأنه درجات بعضها فوق بعض، إلا أن أولها وأعلاها الشهادة باللسان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي جعله فيه بضعة وسبعين جزءا، فإذا نطق بها القائل، وأقر بما جاء من عند الله لزمه اسم الإيمان بالدخول فيه بالاستكمال عند الله، ولا على تزكية النفوس، وكلما ازداد لله طاعة وتقوى، ازداد به إيماناً].

<<  <  ج: ص:  >  >>