للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذهب المرجئة والخوارج في تفسير الآيات الدالة على زيادة الإيمان]

وقد يرد هنا سؤال: ما هو موقف المخالفين للسلف من هذا التصريح في كتاب الله بزيادة الإيمان؟

[وأما الذين رأوا الإيمان قولاً ولا عمل فإنهم ذهبوا في هذه الآيات إلى أربعة أوجه].

هذا التفسير ليس خاصاً بمن يقول: إنه قول، فمن المعروف أن من يقول: إن الإيمان قول فقط هو محمد بن كرام السجستاني، بل هو -أيضاً- تفسير من يقول: إن الإيمان هو التصديق كجمهور المرجئة، ومن يقول: إن الإيمان قول وعمل ولكنه لا يزيد ولا ينقص، كالمعتزلة والخوارج، فإن جميع هؤلاء يفسرون هذه الآيات بما يأتي ..

[أحدها أن قالوا: أصل الإيمان الإقرار بجمل الفرائض مثل الصلاة والزكاة وغيرها، والزيادة بعد هذه الجمل، وهو أن تؤمنوا بأن هذه الصلاة المفروضة هي خمس، وأن الظهر هي أربع ركعات، والمغرب ثلاثة ..

وعلى هذا رأوا سائر الفرائض.

والوجه الثاني أن قالوا: أصل الإيمان الإقرار بما جاء من عند الله، والزيادة تمكن من ذلك الإقرار.

والوجه الثالث أن قالوا: الزيادة في الإيمان الازدياد من اليقين.

والوجه الرابع أن قالوا: إن الإيمان لا يزداد أبداً، ولكن الناس يزدادون منه].

هذا هو تفسير المرجئة ويشاركهم في بعضه الخوارج، وإن كان الخوارج يرتبونه على قولهم المعروف.

وهذا التفسير لما ذكر من زيادة الإيمان في القرآن لأهل العلم تجاهه طريقان:

الطريق الأول: أن هذا التفسير غلط؛ لأنه وإن كان بعضه ممكناً من جهة جملة المعاني إلا أن تفسير الآيات المعينة به خروج عن السنة ومراد الله ورسوله.

الطريق الثاني: أن هذا تفسير قاصر، وفيه تحكم.

أي: قصر للزيادة على هذه المعاني، ولا شك أن الزيادة أجل من هذا المعنى، فهي في الأعمال الظاهرة والباطنة المذكورة في قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الأنفال:٢ - ٣]

فمن هذا السياق وأمثاله أن الزيادة متحققة في الأعمال الظاهرة والباطنة، وأنها متحققة في التصديقات، ولهذا قال: (وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً) أي: تصديقاً ويقيناً، كما أنها زادتهم بقوله: (وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) توكلاً، وهذا فعل القلب، وزادتهم فعلاً في الجوارح وهو قوله: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ} [الأنفال:٣].

فبينٌ من سياق الآيات أن الزيادة والنقصان متعلقة بأوجه الإيمان كلها الظاهرة والباطنة، فيكون القصر على هذا من التحكم في تفسير كلام الله ورسوله.

<<  <  ج: ص:  >  >>