للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مذاهب المخالفين للسلف في نصوص الوعيد]

[فهذه أربعة أنواع من الحديث، قد كان الناس فيها على أربعة أصناف من التأويل، فطائفة تذهب إلى كفر النعمة، وثانية تحملها على التغليظ والترهيب، وثالثة تجعلها كفر أهل الردة، ورابعة تذهبها كلها وتردها.

فكل هذه الوجوه عندنا مردودة غير مقبولة، لما يدخلها من الخلل والفساد، والذي يرد المذهب الأول ما نعرفه من كلام العرب ولغاتها، وذلك أنهم لا يعرفون كفران النعم إلا بالجحد لأنعام الله وآلائه، وهو كالمخبر على نفسه بالعدم، وقد وهب الله له الثروة، أو بالسقم وقد منَّ الله عليه بالسلامة.

وكذلك ما يكون من كتمان المحاسن ونشر المصائب، فهذا الذي تسميه العرب كفراناً إن كان ذلك فيما بينهما وبين الله، أو كان من بعضهم لبعض إذا تناكروا اصطناع المعروف عندهم وتجاحدوه.

ينبئك عن ذلك مقالة النبي صلى الله عليه وسلم للنساء: (إنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير- يعني الزوج- وذلك أن تغضب إحداكن فتقول: ما رأيت منك خيراً قط)

فهذا ما في كفر النعمة.

وأما القول الثاني المحمول على التغليظ فمن أفظع ما تأول على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أن جعلوا الخبر عن الله وعن دينه وعيداً لا حقيقة له، وهذا يؤول إلى إبطال العقاب، لأنه إن أمكن ذلك في واحد منها كان ممكناً في العقوبات كلها.

وأما الثالث الذي بلغ به كفر الردة نفسها فهو شر من الذي قبله، لأنه مذهب الخوارج الذين مرقوا من الدين بالتأويل، فكفروا الناس بصغار الذنوب وكبارها، وقد علمت ما وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من المروق وما أذن فيهم من سفك دمائهم.

ثم قد وجدنا الله تبارك وتعالى يكذب مقالتهم، وذلك أنه حكم في السارق بقطع اليد، وفي الزاني والقاذف بالجلد، ولو كان الذنب يكفر صاحبه ما كان الحكم على هؤلاء إلا القتل، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من بدل دينه فاقتلوه) أفلا ترى أنهم لو كانوا كفاراً لما كانت عقوباتهم القطع والجلد؟ وكذلك قول الله فيمن قتل مظلوماً: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً} [الإسراء:٣٣] فلو كان القتل كفراً ما كان للولي عفو ولا أخذ دية، ولزمه القتل.

وأما القول الرابع الذي فيه تضعيف هذه الآثار فليس مذهب من يعتد بقوله، فلا يلتفت إليه، إنما هو احتجاج أهل الأهواء والبدع الذين قصر عملهم عن الاتساع، وعييت أذهانهم عن وجوهها، فلم يجدوا شيئاً أهون عليهم من أن يقولوا: متناقضة.

فأبطلوها كلها!].

أحاديث الوعيد تأتي على جهتين:

١ - وعيد في الآخرة.

٢ - وعيد اسمي.

فالوعيد في الآخرة كقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً} [النساء:١٠] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار)، وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما أسفل من الكعبين ففي النار).

وأما الوعيد الاسمي فهو: إخراج مرتكب المعصية عن مسمى اسم شرعي، أو عدم إضافته إلى المسلمين أو إلى المؤمنين أو ما إلى ذلك.

وهو كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) وما إلى ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>