للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإيمان بمعجزة الإسراء والمعراج]

قال الموفق رحمه الله: [مثل حديث الإسراء والمعراج].

الإسراء ذكره الله في كتابه صريحاً، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} [الإسراء:١] وأما المعراج فإنه متضمن الذكر في كلام الله سبحانه، ولكن جاء تفصيله في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في الصحيحين وغيرهما من رواية جماعة من الصحابة كـ أبي ذر، وأبي هريرة، ومالك بن صعصعة وغيرهم.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد أسري به من المسجد الحرام إلى بيت المقدس، ثم عرج به عليه الصلاة والسلام إلى السماء، وكان مسراه يقظةً لا مناماً، وهذا الذي درج عليه أئمة السلف رحمهم الله، وهو الذي حدث به الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه، فإن ما كان حديثه صلى الله عليه وسلم عن وقوع هذا على سبيل اليقظة.

وأما أن هذا -كما يزعم بعض من ينكر ذلك- يخالف العقل فليس بصحيح، بل هذه قدرة الله، والله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير، ألم تر إلى كلام الله سبحانه وتعالى في قصة سليمان عندما قال عفريت من الجن: {أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ} [النمل:٣٩] فكان هذا من قدرات الجن.

وهنا قاعدة لا بد للمسلم أياً كان مقامه أن يتفطن لها، وهي: أن العقل لا يعارض النقل، وأما الشبهات التي أثيرت على الإسلام عند الماديين أو الشيوعيين أو بعض المنتسبين للإسلام ممن أبطلوا بعض الحقائق الشرعية باسم العقل أو ما إلى ذلك، فإنه ليس هناك تعارض في مسألة واحدة بين العقل والنقل، ولكن يفرق بين ما يسمى بالضرورة العقلية والضرورة الحسية المعينة، فالضرورة العقلية لا تخالف النقل، لكن الحس المعين قد يقع، ولكن هذا الحس ليس محكماً ولا معتبراً.

مثال ذلك: لو قال قائل: كيف يعذب الإنسان أو ينعم في قبره مع أنه مطمور في هذا التراب، فهذا مما يخالف العقل؟

نقول: الصحيح أنه لا يخالف العقل، لكنه يخالف الإدراك الحسي، والإدراك الحسي ليس معتبراً، ولا تقاس به النصوص، وإلا لما أمكن الإيمان بحقائق الأسماء والصفات وغير ذلك؛ لأن الكيف مجهول كما قال السلف.

كذلك النائم يرى في منامه نعيماً ويتنعم به، مع أن من يشاهده لا يشاهد أنه تأثر بشيء، وقد يرى هو نفسه في ليلة أخرى أنه يعذب ويتألم بهذا العذاب، وربما قام كريه النفس، متأثر بما مسه من النصب أو العذاب أو ما إلى ذلك في منامه، وهذه أمور مشاهدة عند جملة من بني آدم، فهذا دليل عقلي على إمكان ما يقع في القبر من النعيم والعذاب.

ولو أن إنساناً غمر في الماء ساعةً فإنه يموت؛ لأنه لم يستطع التنفس، لكن حيوانات البحر إذا أخرجت من الماء ماتت؛ لأنها لم تستطع التنفس.

إن وجود هذا التعاكس يبين أنه ليس هناك ضرورات حسية مطردة، بل إنها إذا انتقلت إلى عالم حس آخر تغيرت، أما الضرورة العقلية فهي ثابتة، وهي لذلك لا تخالف النقل.

قال الموفق رحمه الله: [وكان يقظةً لا مناماً، فإن قريشاً أنكرته وأكبرته ولم تنكر المنامات].

هذا من فقه الاستدلال؛ فإن قريشاً أنكرت معراج النبي صلى الله عليه وسلم، ولو كان مناماً لما أنكرته على التخصيص.

قال الموفق رحمه الله: [ومن ذلك أن ملك الموت لما جاء إلى موسى عليه السلام ليقبض روحه لطمه ففقأ عينه، فرجع إلى ربه فرد عليه عينه].

هذا الحديث ثابت في الصحيح، وهنا أراد المصنف أنه يؤمن به على ظاهره، ولا يجوز أن يتكلف فيه بتأويل، كأن يقال: إن هذا كان مناماً، كما فسره بعض المتأخرين من أهل البدع، والصواب: أنه على حقيقته.

<<  <  ج: ص:  >  >>