للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة أهل السنة في القضاء والقدر]

قال الموفق رحمه الله: [ومن صفات الله تعالى أنه الفعال لما يريد، لا يكون شيء إلا بإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته، وليس في العالم شيء يخرج عن تقديره، ولا يصدر إلا عن تدبيره، ولا محيد عن القدر المقدور، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المسطور، أراد ما العالم فاعلوه، ولو عصمهم لما خالفوه، ولو شاء أن يطيعوه جميعاً لأطاعوه، خلق الخلق وأفعالهم، وقدر أرزاقهم وآجالهم، يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته، قال الله تعالى: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:٢٣]، قال الله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩]، وقال تعالى: {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً} [الفرقان:٢]، وقال تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:٢٢]، وقال تعالى: {فَمَنْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام:١٢٥]].

هذا الفصل عقده المصنف رحمه الله لتقرير أصل خاص من أصول الدين، وهو: قدر الله سبحانه وتعالى، والإيمان بقدر الرب سبحانه وتعالى أصل من أصول الإيمان، كما ذكر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، والقدر خيره وشره)، وقال ابن عباس: (القدر نظام التوحيد).

والقدر هو: فعل الله سبحانه وتعالى وقضاؤه وإرادته ومشيئته في سائر ما يقع في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء؛ فلا يقع شيء إلا بإرادته ومشيئته، وهذا الأصل مجمع عليه بين المسلمين، ولم يقع النزاع فيه من جهة أصله، بل حتى عامة الكفار الذين يقرون بالربوبية يقرون بهذا القدر من حيث الجملة، وأما عند التحقيق فإنه لا يحقق جانب توحيد الربوبية فعلاً إلا مسلم مؤمن بالله عز وجل وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وفرق بين الإيمان بالربوبية المجمل عند المشركين، وبين الإيمان المفصل بالربوبية عند المسلمين.

تعتبر مسألة القدر من المسائل التي كثر النزاع فيها بين أهل القبلة، وهل أفعال العباد من قيام وقعود وطاعة ومعصية داخلة في قدر الله وقضائه؟ أم أنها مختصة بالعباد؟

بمعنى هل يقال: إن هذه الأفعال بإرادة الله ومشيئته وخلقه، أم أن العباد يستقلون بها؟ أم يقال: إن العباد قد أجبروا على أفعالهم ولا إرادة لهم ولا مشيئة أمام إرادة الله ومشيئته؟

<<  <  ج: ص:  >  >>