للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[لفظ (الجهة)]

قال المصنف رحمه الله: [فلفظ الجهة قد يراد به شيء موجود غير الله، فيكون مخلوقاً، كما إذا أريد بالجهة نفس العرش، أو نفس السماوات، وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى، كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم].

هذان معنيان للفظ الجهة: فإما أن يراد بالجهة شيء موجود، أي: شيء مخلوق؛ لأن الشيء إذا كان موجوداً لزم أن يكون مخلوقاً؛ لأنه ليس ثمة إلا الخالق سبحانه وتعالى والمخلوق، فإذا قيل: جهة موجودة؛ لزم أن تكون مخلوقة.

فإن أريد بالجهة الشيء المخلوق؛ كالسماوات السبع، أو السماء السابعة، أو ما إلى ذلك؛ فإن الله سبحانه وتعالى منزه عن أن يكون في شيء من مخلوقاته.

وإن أريد بالجهة ما ليس مخلوقاً مما باين العالم، وما فوق العالم، وما فوق السماوات؛ فإن هذا لا يسمى جهة، ولكنه يسمى فوقاً وعلواً، وما إلى ذلك من كلمات القرآن.

قال رحمه الله: [ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه، كما فيه إثبات العلو، والاستواء، والفوقية، والعروج إليه، ونحو ذلك.

وقد علم أنه ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق مباين للمخلوق سبحانه وتعالى، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته.

فيقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلاً في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أن الله تعالى فوق العالم بائن من المخلوقات].

إذا تضمن لفظ الجهة أكثر من معنى، كما عبر المصنف في بعض كتبه كدرء التعارض عن ذلك بقوله: فيقال لمن تكلم بلفظ الجهة ماذا يريد بالجهة؟ الجهة الوجودية، أو الجهة العدمية، فإن أريد الجهة الوجودية -أي: الشيء الموجود- فإن الله منزه عن أن يكون في شيء موجود؛ لأن هذا الشيء الموجود مخلوق، وإن أريد الجهة العدمية، وهي ما فوق العالم -أي: ما ليس مخلوقاً مما باين العالم- فإن الله سبحانه وتعالى بائن عن خلقه.

وهذا التعبير إنما يستعمله المصنف في مقام المناظرات، أما في مقام تقرير المعتقد الحق، ومعتقد المسلمين للعامة، أو الدعوة إلى ذلك، فلا ينبغي أن يعبر بلفظ الجهة ثم يفسر فيقال: الجهة الوجودية، أو الجهة العدمية، ونحو ذلك, وإنما يعبر بالكلمات التي نطق بها القرآن؛ كالاستواء على العرش، والعلو، والفوقية، ونحو ذلك.

قال المصنف رحمه الله: [وكذلك يقال لمن قال: إن الله في جهة: أتريد بذلك أن الله فوق العالم؟ أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول فهو حق، وإن أردت الثاني فهو باطل].

قوله: (فإن أردت الأول):

وهو أن الله فوق العالم، فهذا صحيح، ولكن لا يعبر عنه بلفظ الجهة؛ بل يعبر عنه بكلمات القرآن، وهو المذكور في قوله تعالى: {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:٥٠] وقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] وغير ذلك من الآيات.

<<  <  ج: ص:  >  >>