للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الكلام على حديث: (عبدي جعت فلم تطعمني ...)]

قال المصنف رحمه الله: [وأما الحديث الآخر فهو في الصحيح مفسراً: (يقول الله: عبدي! جعت فلم تطعمني، فيقول: رب! كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً جاع، فلو أطعمته لوجدت ذلك عندي، عبدي! مرضت فلم تعدني، فيقول: رب! كيف أعودك وأنت رب العالمين؟ فيقول: أما علمت أن عبدي فلاناً مرض، فلو عدته لوجدتني عنده)، وهذا صريح في أن الله سبحانه وتعالى لم يمرض ولم يجع، ولكن مرض عبده وجاع عبده, فجعل جوعه جوعه، ومرضه مرضه، مفسِّراً ذلك بأنك: (لو أطعمته لوجدت ذلك عندي، لو عدته لوجدتني عنده)، فلم يبق في الحديث لفظ يحتاج إلى تأويل].

فقوله: (أما علمت أن عبدي فلاناً ..) إلخ، هذا هو التفسير لقوله: (جعت فلم تطعمني)، وهذا معروف في كلام العرب، ولذلك فلا يقال: إن هذا النص يحتاج إلى تأويل؛ بل هو مفسر في نفس سياقه، فمن قال: إن الأئمة تأولوا حديث: (عبدي! جعت فلم تطعمني)، فيقال: إن هذا ليس من باب التأويل، فليس في كلام الأئمة أبداً استعمال للتأويل بمعنى التأويل الذي يستعمله المتكلمون، أما التأويل بمعنى التفسير للآية أو للحديث، كما يقول ابن جرير: "وتأويل قوله تعالى كذا"، فهذا لا إشكال فيه، لكن التأويل بمعنى التأويل الكلامي، فهذا لم يقع.

إنما قد يظن البعض أن ظاهر النص شيء آخر، فزعم أن الخروج عنه من باب التأويل، والحق أن كلمات الله، وكلمات نبيه صلى الله عليه وسلم في الإخبار عنه سبحانه وتعالى، هي كلمات تقصد على معنى واحد، وقد سبق أن أشرت إلى أن ابن تيمية تكلم في المجاز من جهة كونه من عوارض المعاني، فقال: "لا يمكن أن يكون هناك خبر عن الله سبحانه وتعالى له معنى باطل، ومعنى صحيح، والأول يسمى حقيقة والثاني يسمى مجازاً ... " إلخ، بل إن الآية لا تدل إلا على معنى واحد وهو المعنى الحق، وهذا هو ظاهر الآية وهو باطنها، وليس لها أكثر من ذلك.

ولذلك إذا قرئ هذا الحديث على العامة من المسلمين قراءة تامة؛ بل لو قرئ على غير المسلم وقيل له: إن في حديث نبي الإسلام عليه الصلاة والسلام مثل هذا الحديث، فلن يستشكل السياق؛ لأن السياق هنا سياق اجتماعي كامل, لكن لو قرئ عليه قوله: (عبدي؛ جعت فلم تطعمني)، وقطع الحديث عن سياقه، فهنا ربما يتبادر الإشكال إلى بعض الأذهان.

<<  <  ج: ص:  >  >>