للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[العلو يتناول كل ما فوق المخلوقات كلها]

قال المصنف رحمه الله: [وإذا قيل: العلو.

فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به؛ إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله، كما لو قيل: إن العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق].

قوله: (كما لو قيل: إن العرش في السماء، فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق)؛ لأن هذا يستلزم تسلسل المخلوقات إلى ما لا نهاية، فالمصنف يقول: إذا علم أن العرش لا يستلزم التسلسل في المخلوقات؛ علم أن معنى (أن الله على عرشه) أي: أنه عليٌ على سائر خلقه، ولما كان علياً على خلقه، وأنه فوق العرش، مستوٍ عليه استواءً يليق بجلاله؛ كان علوه على غير العرش من مخلوقات من باب أولى، فإن العرش هو أعظم المخلوقات، وهو أعلاها، ولما كان العرش هو أعظم المخلوقات وأعلاها، والله عليٌ على عرشه، مستوٍ عليه؛ علم من هذا أنه عليٌ على سائر خلقه؛ ولهذا لما ذكر الاستواء ذكره في مقام ذكر علوه على عرشه فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] ولما ذكر العلو جعله مطلقاً ولم يعين بشيء من مخلوقاته، فقال: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] وقال تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] {يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ} [النحل:٥٠] فهذا العلو موافق لهذا العلو، وإن كان ما ذكر في استوائه على العرش له اختصاص من جهة المعنى كما هو معروف.

قال رحمه الله: [فإذا قدر أن السماء المراد بها الأفلاك؛ كان المراد أنه عليها، كما قال: {وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:٧١] وكما قال: {فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} [آل عمران:١٣٧] وكما قال: {فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ} [التوبة:٢] ويقال: فلان في الجبل، وفي السطح، وإن كان على أعلى شيء فيه].

يبين المصنف هنا أن قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] يراد به العلو، فلو قال قائل: إن السماء هنا هي السماوات المخلوقة، قيل: حتى لو قيل بهذا المعنى في قوله تعالى: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} [الملك:١٦] فإن تفسير هذه الآية سيكون: أي: على السماء، فكلا التفسيرين يدل على العلو.

<<  <  ج: ص:  >  >>