للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإخبار عن الغائب بالمعنى المعلوم في الشاهد مع اختلاف الحقيقة]

قال المصنف رحمه الله: [والإخبار عن الغائب لا يفهم إن لم يعبر عنه بالأسماء المعلومة معانيها في الشاهد، ويعلم بها ما في الغائب بواسطة العلم بما في الشاهد، مع العلم بالفارق المميز، وأن ما أخبر الله به من الغيب أعظم مما يعلم في الشاهد].

إذا قيل: لماذا ذكر الله سبحانه وتعالى هذه الأسماء في حق خلقه، وهي مذكورة في حق ذاته سبحانه وتعالى؟ قيل: لأنه لا يعلم الإخبار عن الغائب إلا إذا عبر بأسماء معلومة في الشاهد، فيكون الاشتراك حصل في الاسم، وفي المعنى الكلي الذهني، وأما من حيث الإضافة والتخصيص فإن هذا المعنى يكون تابعاً لمن أضيف له.

وقوله: (وأن ما أخبر الله به من الغيب أعظم مما يعلم في الشاهد)؛ لأن هذا أضيف إلى الشاهد الممكن البسيط، وذاك أضيف إلى قدر من الغيب المعظم، سواء في ملكوت السماوات، أو في ملكوت الأرض، أو في ملكوت الله سبحانه وتعالى فيما شاء من خلقه؛ فضلاً عما يكون مضافاً إلى الله سبحانه وتعالى، فلما كانت حقيقة ما ذكر من النعيم أو من العذاب في الآخرة أعظم من حقيقة النعيم أو العذاب في الدنيا؛ فمن باب أولى أن يكون ما ذكر من صفات الله سبحانه وتعالى ليس كصفات خلقه.

قال رحمه الله: [وفي الغائب ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر].

وهذا يقع في الجنة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فإذا كان في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ فمن باب أولى أن يكون ما اختص الله سبحانه وتعالى به من صفات الكمال لم تره العين، ولم تسمع هذه الكيفيات الأذن، ولا يمكن أن تخطر هذه الكيفية على قلب بشر، فإذا كانت كيفيات ما في الآخرة -مع العلم بمعانيها- لم تسمعها الأذن، ولم ترها العين، ولم تخطر على قلب بشر، فمن باب أولى ما يتعلق بكيفيات صفات الباري سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>