للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الاشتراك في الاسم والمسمى]

نجد أن المصنف رحمه الله يقول: (ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود)، ثم بعد ذلك يقول: (واتفاقهما في اسم عام)، فهل حصل الاشتراك في الاسم أم في المسمى؟

الاشتراك الذي حصل هو في اسم الوجود من جهته اسماً، وفي مسماه الكلي الذهني المطلق، وقولنا: (الكلي الذهني) أي: المعنى الكلي لهذا الاسم الذي يحمله الذهن، لكنه لا يوجد في الخارج؛ لأنه لا توجد في الخارج إلا المعينات، المخصصات، المضافات.

وقد يقول قائل: لماذا نقول: إن ثمة اشتراكاً في الاسم المطلق الكلي الذي يحمله الذهن؟

والجواب: أن هذا ليفهم الخطاب، فإن اسم الوجود في حق الله وحق المخلوق مقول بقدر من التواطؤ الكلي، وليس مقولاً بالاشتراك اللفظي؛ لأنه لو قيل أنه مقول بالاشتراك اللفظي المحض؛ لكان هذا مما يوجب عدم فقه الخطاب، فلا يُعلم ما معنى وجود الله سبحانه وتعالى.

إذاً: هذه الأسماء مقولة بالتواطؤ الكلي، ولذلك قيل: إن ثمة اشتراكاً في المسمى في وجهه الكلي المطلق الذهني الذي لا يوجد في الخارج، والتباين يكون في المسمى عند إضافته وتخصيصه، وهذا هو الذي يوجد في الخارج.

إذاً: هناك وجهان:

الأول: أن يكون الاشتراك في الاسم.

الثاني: أن يكون الاشتراك في المسمى الكلي الذهني المطلق، وهذا معنىً عام غير مخصص ولا مضاف، والاشتراك فيه ليفقه الخطاب، فمثلاً: السمع في حق الإنسان هو إدراك المسموع، ولا يمكن أن يكون السمع في حق الله تعالى معنىً بعيداً عن هذا المعنى العام.

مثال آخر: أخبر الله سبحانه أن في الجنة خمراً، وأن في الدنيا خمراً، فهناك اشتراك في الاسم، وهو (الخمر)، وهناك اشتراك في مسمىً ذهني كلي، وهو أنه شراب ذو لذة ومحبة للنفوس ..

وما إلى ذلك، وهذا معنى عام.

وعليه: فلا يمكن أن يكون الخمر في الآخرة عبارة عن باب من أبواب الجنة اسمه الخمر؛ لأنه لو كان عبارة عن باب لقلنا: إن الاشتراك لاسم الخمر هو من باب المشترك اللفظي.

كذلك فيما يتعلق بحقه سبحانه وتعالى، وهو منزه عن مشاكلة ومشابهة مخلوقاته، لكن المصنف يقول: إن هذا معنىً كلي لا وجود له في الخارج، إنما به يفقه الخطاب، وبه يعرف كمال الرب سبحانه وتعالى، فهذا هو مقصوده بقوله: (ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى الوجود).

وقوله رحمه الله: (فلا يقول عاقل -إذا قيل: إن العرش شيء موجود، وإن البعوض شيء موجود-: إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود):

أي: لاتفاقهما في مسمى الشيء والوجود في وجهه الكلي الذهني المطلق، بمعنى: أنه لا يوجد في الخارج، والمطلق أي: المجرد عن الإضافة والتخصيص.

وقوله: (لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه، بل الذهن يأخذ معنىً مشتركاً كلياً لمسمى الاسم المطلق):

هذا هو المقصود بالمسمى المطلق الذي يثبته المصنف، وهو ما عبر عنه هنا بقوله: بل الذهن يأخذ معنىً مشتركاً كلياً هو مسمى الاسم المطلق، وهذا ليس هو المسمى المضاف المخصص، ففرْقٌ بين المسمى الكلي وبين المسمى المضاف.

وقوله: (وإذا قيل: هذا موجود وهذا موجود، فوجود كل منهما يخصه لا يشركه فيه غيره، مع أن الاسم حقيقة في كل منهما):

وذلك لأن اسم الوجود للعرش أو للبعوض مقول بالتواطؤ الكلي، وهذا التواطؤ الكلي لا يستلزم تماثلاً في الحقيقة؛ لأنه كلي ذهني لا يوجد في الخارج، إنما هو معنىً عام غير مضاف وغير مخصص، فليست فيه عوارض العرش ولا عوارض البعوضة؛ لأنه لم يضف ولم يخصص.

<<  <  ج: ص:  >  >>