للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الرد على القائلين ببدعة الكلام النفسي]

[ولا يجوز إطلاق القول بأنه حكاية عن كلام الله أو عبارة، بل إذا قرأه الناس أو كتبوه في المصاحف لم يخرج بذلك عن أن يكون كلام الله حقيقة، فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئاً، لا إلى من قاله مبلغاً مؤدياً، وهو كلام الله حروفه ومعانيه، ليس كلام الله الحروف دون المعاني ولا المعاني دون الحروف].

ولا يجوز إطلاق القول أنه - أي القرآن- حكاية عن كلام الله أو عبارة عنه.

فالسلف رحمهم الله كانوا يقولون: القرآن كلام الله، وهذه هي طريقة الصحابة، وما كان الصحابة ينطقون بكلمة (غير مخلوق)، لأن هذه البدعة لم تحدث في زمنهم.

ولما ظهر الجهمية وقالوا: إنه مخلوق، قال السلف والأئمة الذين أدركوا هذه البدعة في أواخر المائة الثانية: إنه غير مخلوق، فصار الناس على أحد طريقتين:

- عامة المسلمين على مذهب سلف الأمة أن القرآن كلام الله ليس مخلوقاً.

- الجهمية ومن وافقهم من أهل البدع على أن القرآن مخلوق.

وفي آخر عصر الأئمة لما جاء عبد الله بن سعيد بن كلاب وأمثاله ممن يسمون متكلمة أهل الإثبات الذين ينتسبون للسنة والجماعة، أحدثوا في مسألة القرآن قولاً ثالثاً، ملفقاً من كلام المعتزلة والجهمية وكلام أهل السنة، فقالوا: (القرآن ليس مخلوقاً) هذا من كلام أهل السنة، ولكنهم لم يقولوا: إنه كلام الله فيتمموا الحق، بل قالوا: (حكاية عن كلام الله أو عبارة عن كلام الله)؟ قالوا: لأن كلام الله عندهم ليس بحرف وصوت، بل هو معنى يقوم في النفس.

هذه الطريقة أحدثها ابن كلاب والأشعري وأمثالهما، وهي طريقة متعذرة عقلاً ونقلاً.

ويكفي في إسقاطها: أن المسلمين سنيهم وبدعيهم قبل ظهور ابن كلاب والأشعري وأمثالهما ما كانوا يرون أنه يمكن في هذا الباب إلا أن يقال: القرآن كلام الله بحرف وصوت، أو يقال: إنه مخلوق على قول الجهمية والمعتزلة، ولما عُلِم فساد قول الجهمية والمعتزلة عقلاً ونقلاً، عُلم أن الحق الممكن واحد.

بمعنى آخر: أنه يكفي لفساد قول ابن كلاب والأشعري: أنه قد مرت القرون الثلاثة حتى كاد القرن الثالث ينصرم، ولم يوجد أحد يقول: إنه حكاية أو عبارة عن كلام الله وأن كلام الله معنى وليس حرفاً .. إلخ.

ما كان الناس يفقهون، لا من أهل السنة ولا من أهل البدعة، إلا أن الكلام يكون بحرف وصوت، فجاءت المعتزلة ونفته، وبقي أهل السنة على أصلهم في إثباته.

إذاً: يكفي لإبطال مذهب الأشعرية أنه مذهب حادث، ولو كان هو الحق، للزم أن المسلمين بشتى طوائفهم لم يعرفوا الحق قبل وجود ابن كلاب والأشعري وأمثالهم، وهذا ممتنع عقلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>