للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشفاعة لمن استحق النار أن لا يدخلها ولمن دخلها أن يخرج منها]

قال المصنف رحمه الله: [وأما الشفاعة الثالثة: فيشفع فيمن استحق النار، وهذه الشفاعة له ولسائر النبيين والصديقين وغيرهم، فيشفع فيمن استحق النار أن لا يدخلها، ويشفع فيمن دخلها أن يخرج منها].

شفاعته في من استحق النار أي: من المسلمين، وليس من الكفار، فإن الكفار قد قال الله عنهم: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٨]، وفي مثل قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ} [البقرة:١٢٣]، هذه هي الشفاعة بنجاة الكافر من عذابه، بمعنى: أن من ترك التوحيد فإن الشفاعة لا تنفعه، ولا تجزي عنه شيئاً، ولذلك نجد في القرآن نفياً للشفاعة، ونجد في القرآن إثباتاً للشفاعة، كقول الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا} [النجم:٢٦] وفي غير موضع من القرآن ذكر الله الشفاعة: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الأنبياء:٢٨]، فهذا النوع من الشفاعة هو شفاعة الرسل والصالحين من المؤمنين، وشفاعتهم هي في أهل الكبائر من المسلمين.

ولذلك لا يشفعون إلا إذا أذن الله للشافع، ورضاه عن المشفوع له شرطه أن يكون مسلماً؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر:٧]، فإذا كان الله قد رضي عن المشفوع له بتحقيقه أصل التوحيد، فإنه يكون ممن ينال هذه الشفاعة، ولهذا لما قال أبو هريرة -كما في البخاري - للنبي صلى الله عليه وسلم: (من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه).

فمن استحق دخول النار فدخلها -وهو من المسلمين- فيمكن أن يخرج من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنبياء والصالحين، فإن الإسلام العام يدخل فيه كل من أسلم من أمة محمد أو من غيرهم؛ قال الله تعالى: {هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ} [الحج:٧٨]، وفي تسمية إبراهيم: {وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا} [آل عمران:٦٧] إلى غير ذلك، فأهل الكبائر من المسلمين من أتباع الرسل يشفع لهم محمد صلى الله عليه وسلم وإخوانه من الرسل، ويشفع لهم الصالحون من الأمم، فهذه الشفاعة لمن دخل النار متفق عليها بين السلف، ودليلها صريح ومتواتر.

وأما الشفاعة لمن استوجب دخول النار قبل أن يدخلها، فدليلها العمومات، ولم يثبت فيها نص مفصل، إلا في أحاديث ليست من جهة الصحة منضبطة، وقد نبه على هذا ابن القيم وجماعة، لكنها مما يدل عليه العموم، وبطريق الأولى، فإن الرسل إذا شفعوا فيمن دخل النار، فمن باب أولى أن تكون الشفاعة فيمن استوجب دخول النار؛ لأن من استوجب دخول النار أقرب إلى الصلاح والتقوى ورضا الله سبحانه وتعالى واتباع السنن النبوية ممن دخل النار، فهذه الشفاعة لا ينبغي أن يتردد فيها كما تردد البعض، وعلل ذلك بعدم ثبوت دليلها، ولذلك أقول: بل دليلها منضبط، وهو العمومات، فإنهم من أهل الكبائر، والشفاعة لأهل الكبائر ثابتة بصريح السنة.

<<  <  ج: ص:  >  >>