للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم تحقق الإيمان إلا بمحبة آل البيت]

قال رحمه الله: [وقال أيضاً للعباس عمه وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم، فقال: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي)].

وهذا حديث على وجهه: أن المسلم لا يحقق الإيمان إلا بمحبة آل البيت، كما تقول: إن من خصال الإيمان الواجبة صلة الرحم، فمن خصال الإيمان الواجبة محبة آل البيت، فقاطع الرحم يسمى فاسقاً، ومن لم يحب آل البيت يسمى فاسقاً، فقوله: (والذي نفسي بيده لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي) نقول: نعم، من زعم أن أحداً يحقق الإيمان وهو لم يحب آل بيت الرسول -أي: المؤمنين منهم- فقد أخطأ وخالف السنة وإجماع السلف، فإن من أعظم أنواع الفسق: الطعن في آل البيت أو عدم محبتهم، ولا شك أن من موجبات الإيمان ومن أعظم شعائره: محبة آل البيت، والشهادة لهم بهذه الخاصية التي لا يشاركهم فيها حتى أبو بكر، لكن كونه رضي الله عنه لا يشاركهم في هذه الخاصة لا يعني أنه لا يمتاز عليهم بأوجه أخرى، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن أول من يكسى يوم القيامة إبراهيم) وليس معنى ذلك أن إبراهيم أفضل من محمد عليه الصلاة والسلام.

وموسى عليه السلام حصل له أنه جاء للميقات وكلمه ربه، ولم يحصل لمحمد صلى الله عليه وسلم أنه كلمه ربه وهو في الدنيا وهو في أحد جبال مكة أو ما إلى ذلك لكن هذا الاختصاص الذي عرض لموسى لا يوجب أن يكون موسى أفضل من محمد.

كذلك عيسى عليه السلام رفعه الله إليه، وليس هو أفضل من محمد عليه الصلاة والسلام.

أما ما تقوله الشيعة من أنه لا ولاء إلا ببراء ..

فإنه يلزم منه التكفير لآل البيت، فهم يقصدون أنه لا ولاء لـ علي إلا بالبراء من أبي بكر وعمر، والتاريخ يحفظ حفظاً قطعياً أن هناك أعياناً من آل البيت كانوا موالين لـ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وهذا هو الأصل فيهم، وهكذا كان شأن أبي بكر أنه كان موالياً لـ علي ومحباً له، وكان علي بن أبي طالب موالياً لـ أبي بكر، فإذا قيل: لا ولاء إلا ببراء؛ لزم من ذلك التكفير حتى لآل البيت؛ لأنهم ما كانوا يتبرءون من أبي بكر وعمر، وما نقل عن إمام من أئمة آل البيت أنه تبرأ من أبي بكر.

وقولهم: إن فاطمة رضي الله عنها لم تبايع، فهذا حصل منها، وكانت رضي الله عنها ترى أن لها في ميراث النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، ولم يبلغها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة) فكانت تظن أن رسول الله عليه الصلاة والسلام يورث كغيره، فكانت تنتظر ما أفاء الله عليه بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر أنه يقسم قسمة مواريث، لكن أبو بكر قال: إن رسول الله قال: (لا نورث، ما تركنا صدقة) وفاطمة لم يبلغها الحديث فأخذت في نفسها على أبي بكر، وهذا اجتهاد من فاطمة يدخل في قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر) فهي اجتهدت رضي الله عنها، وما قصدت مخالفة سنة النبي، واجتهادها مغفور لها وإن كان ليس صواباً.

وأما أنها لم تبايع أبا بكر فقد أجمع أهل العلم أن البيعة تنعقد بدون النساء، إنما المعتبر هو بيعة أهل الحل والعقد من الرجال، أما النساء فلا يدخلن في مسألة البيعة أصلاً؛ لأنهن ليس لهن في الأمر نصيب، إنما الذي تجب بيعته هو الذي له في الأمر نصيب؛ لذلك حتى العامة لا يلزم بيعتهم بالأعيان، كأن يأتي كل واحد من العامة يبايع أو يعلن البيعة، بل إذا جاء أهل الحل والعقد من العلماء ووجهاء الأمصار فبايعوا إماماً، فإن بيعته تكون شرعية لازمة لكل أفراد المجتمع من الرجال والنساء، أما من بايع من العامة فهذا يعتبر زيادة تأكيد ليس إلا.

<<  <  ج: ص:  >  >>