للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[ما يوجبه اتباع الرسل من قبول ما أخبروا به عن الله]

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ثم رسله صادقون مصدَّقون بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون].

هذا من باب المقارنة بين طريقة أهل السنة وطريقة المخالفين، من جهة أن أهل السنة والجماعة قصروا طريقتهم على الاتباع والتسليم لكل ما جاءت به الرسل، وأن الحق الواجب في باب الأسماء والصفات وغيرها قد علم بمجيء الرسول عليه الصلاة والسلام، بل وغيره من المرسلين به إجمالاً وتفصيلاً.

قوله: (بخلاف الذين يقولون عليه ما لا يعلمون).

هذا نوع من التعريض بطريقة مخالفي أهل السنة، فإن مخالفيهم من أهل التعطيل أو التشبيه والتمثيل بنوا مخالفتهم على الطريقة الكلامية، وقلنا سابقاً: إن الطريقة الكلامية محصَّلة من الفلسفة، ولا شك أن أرباب وأساطين الفلسفة يصح أن يقال فيهم: إنهم من الذين يقولون على الله ما لا يعلمون، ولا سيما إذا عرفت أن كبار أئمتهم الذين ينتسب إليهم من انتسب إلى الإسلام كـ ابن سينا وغيره؛ لم يكونوا ينتسبون إلى دين سماوي أصلاً، ولا حتى من الأديان المحرَّفة، كـ أرسطو طاليس؛ فإنه لم يكن على دين من أديان الرسل؛ بل كان قبل النصرانية، وقبل المسيح ابن مريم بثلاثمائة سنة.

وعلم الكلام محصَّل من الفلسفة، والفلسفة جمهور أساطينها لم يكونوا على دين من الأديان السماوية؛ ولا سيما الفلسفة التي دخلت على المسلمين؛ فإن أربابها كـ أفلاطون وأرسطو طاليس وأمثالهم لم يكونوا على شيء من أديان الأنبياء، ولا حتى الأديان التي دخلها التحريف.

والمعتزلة وغيرهم من المتكلمين بنوا أقوالهم على مقدمات الفلاسفة، والفلاسفة يصح أن يقال فيهم: إنهم من الذين يقولون على الله ما لا يعلمون.

ولهذا قال بعض محققي المتكلمين والفلاسفة كـ ابن سينا: (إن الأقوال المقولة في الأسماء والصفات ليس فيها إلا أحد قولين: إما قول الأنبياء وأتباعهم، وإما قول الفلاسفة وأتباعهم).

فجعلوا سائر الإثبات الذي عليه أهل السنة والجماعة فرعاً عما جاءت به الكتب السماوية، وجعلوا أقوال المخالفين من النفاة فرعاً عن أقوال الفلاسفة، فليس هنا إلا قول الأنبياء أو قول أئمة الفلسفة، وقول المتكلمين فرع عن الفلاسفة، وقول أهل السنة فرع عما جاء به الأنبياء والمرسلون.

[ولهذا قال سبحانه وتعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون * وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الصافات:١٨٠ - ١٨٢]].

هذا ذكره الله في كتابه، لكن ليس في المورد الذي اختلف فيه أهل القبلة، وإنما هو في ذم المشركين أو غيرهم كأهل الكتاب الذين زعموا أن المسيح ابن لله سبحانه وتعالى، أو في قوله سبحانه عن اليهود: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠] أو في المشركين الذين زعموا أن له سبحانه وتعالى صاحبةً وولدا، فقال سبحانه: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون:٩١] إلى غير ذلك، فهذا معنى قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ} [الصافات:١٨٠] فهو تنزيه لله عما وصفه به الكفار.

ولكن ما حصل من بعض أهل القبلة هو من المخالفة، والآية عامة في الدلالة؛ لمناسبة المعنى لذلك.

[فسبح نفسه عما وصفه به المخالفون للرسل، وسلَّم على المرسلين لسلامة ما قالوه من النقص والعيب.

وهو سبحانه قد جمع فيما وصف وسمَّى به نفسه بين النفي والإثبات].

من أخصِّ قواعد أهل السنة: أن هذا الباب عندهم معتبر بالإثبات والنفي؛ لأنه مبني على طريقة القرآن، وإذا قرأت القرآن وجدت أن الله سبحانه وتعالى قد جمع فيما سمَّى ووصف به نفسه بين الإثبات والنفي، الإثبات لكماله والنفي لما لا يليق به سبحانه وتعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>