للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الإطلاق والتقييد في ذكر أسماء الله وصفاته]

[وقوله سبحانه: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [الحديد:٣]].

هذه أسماء مقترنة، والله سبحانه وتعالى في سياق القرآن يذكر ما يتعلق بأسمائه وصفاته على طريقة مُحكمة.

وقد سبق التنبيه إلى أن بعض المتأخرين حتى من أهل السنة -وهذا يكثر في هذا العصر عند كثير من طلبة العلم والباحثين- ينقلون الأسماء المذكورة في باب الأسماء والصفات من سياقاتها على سبيل الإفراد والعد.

وهذا الإفراد والعد لها يخرجها عن سياقاتها، فيسلبها ذلك تحقيقها للكمال، ولذلك يجب أن يُلتزم مورد النصوص، فما ذكر في النصوص مطلقاً يُذكر فرداً مطلقاً، وما لم يُذكر في النصوص إلا مقيَّداً فإنه لا يناسب أن يذكر في حق الله فرداً مطلقاً، وهذه قاعدة لا بد من فقهها.

فالعلم والسمع والبصر ذُكرت في النصوص مطلقة ومقيدة، ولهذا ناسب أن تُذكر مطلقة وناسب أن تذكر مقيَّدة، ذكرت مقيدة في مثل قول الله تعالى: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} [المجادلة:١] ولكنها جاءت مطلقة كقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً} [النساء:٥٨].

ولكن جملةً من الصفات ولا سيما ما يتعلق بصفات الأفعال لم تأت في النصوص إلا مقيَّدة، فلا يجوز الخروج بها عن مورد النصوص بقطعها عن التقييد إلى حال مطلقة من الإفراد؛ كالمكر والكيد وأمثال ذلك من الأفعال التي ذكرت مقيدة؛ ولذلك لا تذكر إلا مقيدة؛ لأن هذا هو الكمال.

ففي قول الله تعالى: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:٣٠] لا يُناسب أن يقال: ومن صفاته المكر على الإطلاق، وإنما يبيَّن هذا المعنى؛ فإن الله لم يذكره في القرآن إلا مبيناً؛ وهذه المقيَّدات من الصفات والأفعال لم تستعمل في القرآن في مورد الأسماء، بخلاف ما كان من الصفات مطلقاً، فإنه اسُتعمل في القرآن في مورد الأسماء كالسميع والبصير والقدير والعزيز والحكيم ونحو هذا.

فلا بد لطالب العلم -وللمسلم عموماً- أن يلتزم هدي القرآن وطريقة القرآن في هذا.

قال الله تعالى: {هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ} [الحديد:٣] ذكر الله (الأول) ثم قال: (والآخر) باعتبار أن الكمال على هذا الوجه من التحقيق، وهذا قدر من البيان، وقال: {وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} [الحديد:٣] وهذا أيضاً قدر من التحقيق للكمال.

ولكن هنا سؤال: هل هذا من باب تحقيق الكمال بياناً، أم أن الكمال لا يقع إلا بهذا الاقتران في الذكر؟ فإذا لم يحصل الكمال إلا بالاقتران، لم يجز أن يُعبَّد أحد باسم وقد فُكَّ عن الآخر، فلا يجوز أن يسمى أحد: عبد الأول، أو عبد الآخر، أو عبد الظاهر أو ما شابه ذلك.

فأقول: الصواب أن كل اسم وحده يدل على الكمال المطلق، وإنما ذُكر في القرآن مقترناً من باب البيان لتحقيق الكمال، وليس من باب أن الكمال لا يحصل بواحدٍ إذا اختص.

وهذه الأسماء (الأول والآخر والظاهر والباطن) فسرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال كما ثبت في الصحيح: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء) فقوله: (أنت الأول فليس قبلك شيء) هذا من أصل مُعتقد المسلمين: أن الله سبحانه وتعالى ليس شيء معه -أي: يقارنه بالزمان- فإن الله سبحانه وتعالى ليس له زمان يختص به، وهو سبحانه وتعالى الأول الذي ليس قبله شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>