للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[خطأ بعض أهل السنة في مسألة التمذهب]

وبهذا: يظهر أن القول بأن من السلفية ترك التمذهب ليس بصحيح، كما أنه يقال: ليس من السلفية لزوم التمذهب، ولكن التمذهب ترتيب علمي لا جدل حوله، لكن إذا زاد عن القدر الترتيبي والترجيحي السابق كان غلطاً، كما أن هذا قد يقع عند غير المتمذهبين بالمذاهب الأربعة.

ولكون هذه النظرة استقرت عند بعض المعاصرين، حيث بدءوا يعتبرون في استدلالاتهم الفقهية الكتاب والسنة والإجماع فقط، ومن هنا تفرع عندهم -أحياناً- القول بأن هذه المسألة -وهي مسألة فقهية متنازع فيها- سنة سلفية ..

ومن السلفية كذا.

وترتب على هذا أن لم يفعل ذلك -عندهم- فهو متمذهب ..

متعصب ..

مقلد ..

مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

ويلزم من هذا أن ينطبق هذا الكلام على إمام هذه المقالة من المجتهدين الأوائل، اللهمَ إلا إذا كان المعاصر أو الطالب المتأخر يقلد هذا تقليداً محضاً وهو يرى أن الدليل بخلافه، فهذا مقام آخر لا جدل حوله.

القصد: أن بعض الشيوخ الفضلاء وطلبة العلم من السلفيين المعاصرين، لما رفضوا التمذهب بدءوا يصيرون في استدلالهم إلى الكتاب والسنة والإجماع، وبالطبع ضاق عليهم الاستدلال في مسائل الفقه؛ لأنه ليس كل مسألة فقهية عليها دليل صريح أو حتى ظاهر من الكتاب والسنة، فضلاً عن الإجماع، مما أدى إلى حاجتهم إلى قياس، أو أقوال الصحابة

إلخ، ولهذا تغلب عليهم الطريقة التي يقدمها ابن حزم رحمه الله، وتقديمه إياها فرع عن مذهب سابق لـ داود بن علي، وهي مسألة البراءة الأصلية واستصحاب الأصل؛ ولذلك نجد أنهم يرجعون كثيراً من المسائل التي لا دليل عليها من الكتاب والسنة، والإجماع إلى البراءة الأصلية، فإن كانت عادات قيل: الأصل الحل، وإن كانت عبادات قيل: الأصل براءة الذمة.

وهذه الطريقة التي يستعملها ابن حزم أقل ما يقال فيها: أنها مذهبية؛ لأنها إما أنها مذهبية من ابن حزم، وابن حزم ليس أشرف من الشافعي ومالك وأحمد، وإما أنها مذهبية من داود بن علي، وداود بن علي وإن عاصر الإمام أحمد إلا أنه ليس أجل من الأئمة الأربعة، بل جميع الأئمة الأربعة أجل فقهاً من داود بن علي رحمه الله.

فلابد لطالب العلم -ولا سيما السلفي- أن يعتبر مثل هذه الإدراكات: أن عند ابن حزم أثراً ظاهرياً، وهو إنما نقل عن داود بن علي أصولاً عامة في الاستدلال، ثم قام بشرحها، وأحياناً قد يكون تجاوز في شرحها، فليس بالضرورة أن يكون شرحه قد صرح به داود بن علي.

وهو -أي: ابن حزم - إمام، قد أجمع المتأخرون على إمامته، ولم يطعن فيه إلا متكلف ومتعصب من المذهبيين، وكتابه المحلى لا يستغني عنه طالب العلم أبداً، لكن على طالب العلم أن يترفق في قراءة كلام الإمام ابن حزم رحمه الله؛ لأنه يأخذ عقل القارئ -ولا سيما عقل المبتدئ- إلى لزومات يرى أنها من صريح السنن وهي ليست كذلك، ويمكن أن يقال: إن المبتدئ لا يبتدئ بكتب ابن حزم، وإنما يقصد إليها بعد تعديه لمرحلة الابتداء.

<<  <  ج: ص:  >  >>