للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أهل السنة هم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم]

[وهم الجمهور الأكبر والسواد الأعظم].

هذه مسألة يخطئ فيها كثير من أهل البدع، وذلك حين تزعم بعض طوائف أهل البدع: بأن طائفتهم عليها أكثر المسلمين.

وقد قال جملة من متكلمي الأشعرية: إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء عنه في ذكر الفرقة الناجية المنصورة أنهم السواد الأعظم، قالوا: وأصحابنا الأشاعرة هم السواد الأعظم، فإن جمهور العلماء أصحاب المذاهب الأربعة -أي: فقهاء المذاهب الأربعة، أتباع أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد - إما أشعري، أو سالك مسلك بعض أئمتهم، أو متأثرٌ بهم.

ومن هنا زعم جملة من متكلمة الأشاعرة أن طائفتهم هي الطائفة التي يمكن أن توصف بأنها السواد الأعظم.

وهذا لا شك أنه خطأ.

ومن قال: إن أكثر علماء المسلمين من الأشاعرة فقد أخطأ، فإن أئمة العلماء هم القرون الثلاثة الفاضلة، وهؤلاء ليس فيهم أشعري، بل هؤلاء وجدوا قبل أن يوجد المذهب الأشعري، فالصحابة رضي الله عنهم جميعهم أئمة سنة، والتابعون كذلك

إلخ.

إذاً هذا خطأ في التقدير التاريخي، وخطأ في تقرير الحقائق الشرعية، فإن أئمة المسلمين وجمهور علمائهم هم أئمة السنة والجماعة ..

هذه جهة.

وجهةٌ أخرى: أن السواد الأعظم من المسلمين هم على السنة والجماعة، فإن طرق المتكلمين كالأشاعرة -فضلاً عن المعتزلة- في تحصيل عقائدهم طرق نظرية، وهي طرق علم الكلام، كتقرير دليل الأعراض، ودليل الاختصاص، ودليل التركيب

إلى آخر هذه الطرق الجدلية النظرية، فإذا تكلموا في الصفات جاءوا بدليل الأعراض، وإذا تكلموا في القدر جاءوا بنظرية الكسب التي أعيا تفسيرها أئمة الكلام من الأشاعرة ..

وهذه الطرق لا يمكن عقلاً ولا جدلاً أن العامة من المسلمين يعرفونها ويفهمونها؛ فهي متعذرة الفهم على العامة.

ولهذا اختلف علماء الأشاعرة أنفسهم في حكم إيمان العوام، فمنهم من يقول بفساد إيمان العامة -وهذا عليه بعض غلاتهم- ومنهم من يقول: إنهم تاركون لواجبٍ في الإيمان، وهي الطرق التي اخترعوها وابتدعوها ودخلت عليهم من المعتزلة، ومنهم من يقول: إن إيمانهم صحيح ولم يتركوا واجباً فيه، لكنه إيمان مجمل، ليس الإيمان التام المحقق، فالإيمان التام المحقق لا يحققه أو يعرفه إلا أرباب العلم الكلامي.

وبما أن طرق المتكلمين، متعذرة التحقق عند العامة؛ إذاً سواد المسلمين وعامتهم أهل سنة؛ لأن سواد المسلمين ليس لهم مراد إلا الإسلام، والسنة والجماعة هي الإسلام، وليس فيها زيادة عن الإسلام، حتى بعد حدوث الفرق والبدع، لم تزد السنة بزيادة هذه الفرق، بل السنة واحدة، السنة والجماعة والسلفية هي الإسلام الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، وقال: {وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً} [المائدة:٣] وقال: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩].

هذا هو المنهج السني السلفي، وهو الإسلام الحق التام المحقق ظاهراً وباطناً.

وعليه: فسواد المسلمين وعامتهم أهل سنة، قد يتأثرون ببعض علماء بلدهم، فهذا التأثر يؤخذ بقدره، ويكون تقصيراً، ولا يلزم أن تغلب الحالة على العامة؛ نظراً لأن علماء البلد أشاعرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>