للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[دعوى بعض أهل البدع أنهم يلتزمون بفهم السلف الصالح]

هناك أيضاً مسألة: من يقول إن أهل البدع يقولون: الكتاب والسنة ويخطئون في فهمهم.

يقال: حتى مسألة فهم السلف الصالح كثير من أهل البدع يقولون فهم السلف الصالح ويخطئون في فهمهم، كما أنهم غلطوا في فهمهم لكلام الله والمراد من كلامه ومراد الرسول، فإنهم يغلطون في فهمهم لكلام السلف.

مثلاً: الإمام أبو الحسن الأشعري أول ما ترك الاعتزال بعد ما أمضى فيه ما يقارب الأربعين سنة -كان فيها تلميذاً لشيخه وزوج أمه أبي علي الجبائي، الذي كان من كبار شيوخ المعتزلة- انتسب إلى مذهب الإمام أحمد مباشرة، أما ما يقرره بعض الباحثين من أنه رجع إلى طريقة ابن كلاب أولاً فهذا خطأ، فإنه لا توجد مسألة كلابية في الانتساب الأشعري أساساً، وهذا الخطأ دخل على بعض الباحثين من كلام الإمام ابن كثير رحمه الله، فالصحيح هو الذي يقرره ابن تيمية، وهو المعروف في طريقة الأشعري رحمه الله: أن الأشعري أول ما ترك الاعتزال صرح أنه على مذهب الصحابة والتابعين والأئمة، وأنه على مذهب الإمام أحمد؛ لأن الإمام أحمد وقتها كان هو المعروف بإمامة السنة أكثر من غيره.

لكن بقي سؤال، وهو: هل حقق الأشعري مذهب أهل السنة؟

الجواب: إن الإمام الأشعري كان عارفاً بعلم الكلام وطرق المعتزلة والجدل علماً مفصلاً، وعارفاً بكلام السلف علماً مجملاً، ولذلك إذا تكلم في المجملات ففي الغالب أنه يحسن، وإذا تكلم في المفصلات ففي الغالب أنه يخطئ، وذلك لأن علمه بكلام أهل السنة علم قليل، والدليل على هذا: إنك إذا قرأت في كتابه مقالات الإسلاميين -والذي يعد من آخر كتبه- تجد أنه تكلم عن المعتزلة بكلام تفصيلي، وفند آراءهم وذكر الفروقات الدقيقة بين أعيان المعتزلة، وشرح مذهب المعتزلة ومقالات المعتزلة في جوهر الكلام شرحاً دقيقاً؛ لكن لما جاء إلى مذهب أهل السنة ما استوعب عنده حتى ثلاث صفحات، فتراه جاء بجمل عامة، فقال: "جملة مقالة أهل السنة والحديث: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ..

يدينون بدين الإسلام ..

يؤمنون بالصلاة والزكاة ..

يؤمنون بصفات الله ..

يؤمنون بكمال الله، يؤمنون بالقدر خيره وشره ... " جمل عامة، ثم قال في الأخير: "وبكل ما قال أهل السنة نقول".

فهو في كتبه الكلامية المفصلة بعد الاعتزال ما استطاع أن يفصل تفصيلاً سلفياً؛ لأن من يعرف الشيء مجملاً لا يعني أنه يعرفه على التفصيل.

والمقصود من هذا: أن الأشعري وجملة أصحابه -ولا سيما المتقدمون من الأشاعرة- جميعهم ينتسبون إلى الكتاب والسنة وإلى فهم السلف؛ فـ الأشعري في مقدمة الإبانة لما زجر أقوال أهل البدع قال: "فإن قيل: فما قولكم الذي تقولون به ودينكم الذي تدينون الله به؟ قال: هو ما كان عليه أصحاب محمد

إلخ"، ثم قال: "ونحن بكل ما قال به أبو عبد الله أحمد بن حنبل قائلون، ولما يعتقده المعتقدون، فإنه الإمام الفاضل، والرئيس الكامل

إلخ".

فكان يتوهم أن فهمه فهمٌ مناسب لفهم السلف.

إذاً مسألة أن الناس قد يدّعون هذا فلابد أن نزيد التمييزات، يقال: هذه زيادات مناسبة إذا استدعت الحاجة ذكرها، وأما أنها لازمة فلا؛ فإن الرسول عليه الصلاة والسلام لما ظهر النفاق في المدينة النبوية لم يقل: سنغير اسم الاسلام أو سنهجر اسم الإسلام إلى اسم لا يدخل فيه المنافق وهو اسم الإيمان -مثلاً-، فإن اسم الإيمان لا يدخل فيه المنافق، ولم يقل صلى الله عليه وسلم كذلك للمسلمين من بعده: التزموا اسم الإيمان ولا تلتزموا اسم الإسلام.

إذاً: هذه مسألة لابد أن تفقه على هذا الوجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>