للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تفاوت الفرق الضالة في مخالفة السنة]

[ومما ينبغي أيضاً أن يعرف: أن الطوائف المنتسبة إلى متبوعين في أصول الدين والكلام على درجات: منهم من يكون قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من يكون إنما خالف السنة في أمور دقيقة].

وهذا يتحصل -أيضاً- في حق الأعيان: فإن من الأعيان من قد خالف السنة في أصول عظيمة، ومنهم من قد خالف في أمور دقيقة، وأما الطوائف التي تقرر مخالفتها للسلف فليس هناك طائفة إلا وقد خالفت في أصول، وأما إذا تكلمت عن الأعيان أو عن الطوائف المنتسبة للسنة من الفقهاء، الذين لم يذهبوا إلى علم الكلام، فإن من هؤلاء -كما ذكر المصنف- من قد خالف في أصول، ومنهم من قد خالف فيما دون ذلك.

[ومن يكون قد رد على غيره من الطوئف الذين هم أبعد عن السنة منه، فيكون محموداً فيما رده من الباطل وقاله من الحق].

وهذا من العدل والانضباط في التقرير، وقد قرر شيخ الإسلام هذا في كثير من كلامه، فقد ذكر أن المعتزلة على هجران السلف لأمرهم وتغليظهم عليهم، قال: "إلا أنهم مع ذلك قد يدعون بعض العجم من الكفار إلى الإسلام فيسلمون على طريقة المعتزلة".

قال: "فإسلامهم على طريقة المعتزلة خير من بقائهم على الكفر، وقد كان واصل بن عطاء الغزال يبعث بعض دعاته إلى بعض الأمصار العجمية غير المسلمة يدعون إلى الإسلام، ويدعون على طريقة المعتزلة، لكن هذا مما يحمد لهم".

وأخص طائفة عني شيخ الإسلام بالرد عليها وبيان غلطها هي طائفة الأشعرية، مع أنه يعتبر هذه الطائفة أقرب الطوائف الكلامية إلى السنة والجماعة، ومع ذلك له كتاب أغلظ فيه على المتأخرين من الأشاعرة كـ محمد بن عمر الرازي وهو كتاب نقض التأسيس.

لكنه مع هذا قال رحمه الله: "ومع هذا كله فإذا كان الأشعرية في بلدٍ ليس فيه إلا معتزلة، فهم القائمون بالسنة في هذا البلد" هذا نص عبارة شيخ الإسلام.

وهذا الكلام مما ينبغي ضبطه، فإن الذم للمخالفين ليس مقصوداً للطعن على الأعيان فحسب، إنما مقصود لبيان المحجة وبيان الحق، وتحذير الناس من البدع والضلال، وإلا فقد يقع في بعض أهل البدع ما هو من الحق المحمود، وإلا لو لم يكن معهم شيء من الحق المحمود لكانوا كفاراً، فإن من تجرد عن جميع الحق ظاهره وباطنه، مجمله ومفصله، لا يمكن أن يكون مسلماً.

[لكن يكون قد جاوز العدل في رده بحيث جحد بعض الحق وقال بعض الباطل، فيكون قد رد بدعةً كبيرةً ببدعة أخف منها].

وهذا كرد الأشعرية على المعتزلة، فإن الأشاعرة في الغالب يردون بدعة المعتزلة ببدعةٍ أخف منها.

[ورد بالباطل باطلاً أخف منه، وهذه حال أكثر أهل الكلام المنتسبين إلى السنة والجماعة].

يريد بأكثر أهل الكلام المنتسبين للسنة: الكلابية والأشاعرة والماتريدية.

<<  <  ج: ص:  >  >>