للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الغلو في الرد على الفرق المخالفة لأهل السنة]

وهنا كلمة أحب أن أعلق عليها؛ فقد بدأ يكثر من بعض الشباب -وأحياناً من طلبة العلم- أنه إذا اشتد في الرد على طائفة بدعية قال: وهذه الطائفة أكفر من اليهود والنصارى ..

وهذه فوضى في الغالب؛ فإن ابن تيمية قد استعمل هذا في كلمات معينة.

مثلاً: لما تكلم عن وحدة الوجود قال: "إن قول أهل وحدة الوجود أن الوجود واحد، وليس ثمة امتياز بين وجود العبد وبين وجود الرب ..

قال: إن هذا القول الكفري أكفر من قول اليهود والنصارى .. " وهذه قضية شرعية واضحة لا جدل حولها.

أما جمع طوائف بغلاتها ومتوسطيها ومقتصديها والقول فيهم: الطائفة الفلانية أكفر من اليهود والنصارى على الإطلاق ..

فهذه الإطلاقات ما كان السلف ينطقون بها، فاليهود والنصارى ماذا بقي لهم من الخير وهم يقولون كما قال الله عنهم: {وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة:٣٠] و: {إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ} [آل عمران:١٨١] ..

{وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة:٦٤] وبعد ذلك تأتي إلى طائفة من أهل البدع لا تستطيع تحقيق إجماع السلف على تكفيرها وتقول: هم أكفر من اليهود والنصارى .. ؟! هذا في الغالب فيه قدر من الزيادة.

والصواب هو أن توزن الأمور بميزان الحق، فالطائفة تبدع ويبين خروجها عن السنة وتذم ..

إلخ بما ذمها به السلف، أما الحروف المفردة فلا تلزم.

وأنبه إلى أنه قد يوجد عند بعض المتأخرين من فضلاء أهل السنة القاصدين إلى تعظيم السنة والجماعة بعض الزيادة، فبعض الحنابلة خاصة -وهذا ليس عيباً لهم، فقد قلت سابقاً: إن الحنابلة أشرف الطوائف الأربع في السلامة من البدع، لكن لما صاحب بعض أئمتهم من قصد التحقيق حصل عندهم قدر من الزيادة- من الفقهاء المنتسبين والمعظمين للسنة الذامين لأهل البدع، يقول كلمة، مثلاً: وكان الأئمة يذهبون إلى أن فلان أكفر من اليهود والنصارى، أو هؤلاء أكفر من اليهود والنصارى، أو كفر هؤلاء من جنس

أو كفر فرعون أخف من كفر

فهذه الكلمات إذا اجتهد بها قائل فقالها فهذا قول يخصه هو، ولا يلزم أن يكون قاعدة ومنهجاً للسلف؛ لأن -وقد تقدم- منهج السلف: هو النقل الإجماعي إما استفاضةً وإما تصريحاً بالإجماع.

فإطلاق هذه الكلمة في الغالب لا يكون صحيحاً، لا نقول: دائماً، وإنما نقول: في الغالب.

<<  <  ج: ص:  >  >>