للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القول بتكفير جميع أهل البدع ليس قولاً للسلف

[وإن كان من أصحابه من حكى في تكفير جميع أهل البدع -من هؤلاء وغيرهم- خلافاً عنه أو في مذهبه].

وقد تقدم أنه لا يعتبر تقرير المتأخرين في فهمهم لكلام المتقدمين إلا إذا حكوا الإجماعات، وأما تحصيل مذهب السلف في أي باب من الأبواب -وهذا الباب منها، وهو باب التكفير- بمحض الفهم، حتى لو كان المحصل من أهل السنة، فإن تحصيله لا يلزم، وأما إذا بنى تحصيله على النقل استفاضةً أو إجماعاً فإنه يلزم.

وقد يعترض معترض، فيقول: يلزم من هذا أن تحصيل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لمذهب السلف لا يعتبر جميعه ..

فما الجواب؟

نقول: أمثال شيخ الإسلام من المحققين لا يمكن أن يجزموا بقول ما أنه مذهب للسلف إلا وقد انضبط عندهم النقل فيه، فهو ممن يقرر هذه القاعدة، بل هو الذي قررها: أن مذهب السلف لا يعتبر بالفهم وإنما يعتبر بالنقل.

وعليه: فكل ما جزم شيخ الإسلام بأنه مذهب للسلف فهو قد انضبط عنده نقلاً: إما استفاضةً وإما إجماعاً، وإنما التعليق الذي يشار به لا إلى أمثال شيخ الإسلام من المحققين، فإن المحققين من المتأخرين لا يلتزمون ذكر مذهب السلف إلا فيما انضبط نقله، بالإجماع أو الاستفاضة، وإنما ينبه في ذلك إلى بعض أصحاب الأئمة كبعض أصحاب أحمد وغيرهم؛ فإن كثيراً من أصحاب أحمد وغيرهم إذا ذكروا مسألة تكفير أهل البدع قالوا: وفيها قولان للأئمة.

فبعض الشافعية يقول: فيها قولان للشافعي.

وكثير من الحنابلة يقولون: عن أحمد روايتان في هذا: التكفير وعدم التكفير ..

والحق أن إطلاق القول بتكفير أهل البدع أو عدمه ليس قولاً لواحد من السلف، فليس هناك إمام من أئمة السلف -لا أحمد ولا غيره- نطق بتكفيرهم أو عدمه على الاطراد، بل هذا حكم ممتنع في الشرع وممتنع في العقل، فإن البدع تختلف، والطوائف تختلف

إلى غير ذلك، فمن الممتنع عقلاً وشرعاً أن يذهب ذاهب إلى أن هذا الكفر يطلق إثباتاً، أو يطلق نفياً.

وعليه: فجمهور تقرير المتأخرين لمسألة تكفير أهل البدع إما أن يكون غلطاً محضاً، وإما أن يكون دخله شيء من التقصير، وهذا كلام يلتزم على ظاهره.

وهذا يدل على أن هذه المسألة مسألة استقراء في كلام السلف أنفسهم، وفي كلام المحققين من أصحابهم من المتأخرين كأمثال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

[حتى أطلق بعضهم تخليد هؤلاء وغيرهم، وهذا غلط على مذهبه وعلى الشريعة].

وعلى مذهبه: أي: مذهب الإمام أحمد، وغلط على الشريعة: أي: على الديانة؛ فإن الدلائل الشرعية تمنع هذا الإطلاق بتكفيرهم أو عدمه.

<<  <  ج: ص:  >  >>