للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحت أي صنف يدخل أهل البدع]

يقول شيخ الإسلام في هذه الرسالة وفي غيرها: "فأهل البدع الذين يظهرون الصلاة والشعائر الظاهرة، لا يمكن أن نسميهم كفاراً ظاهراً وباطناً؛ لأنهم يظهرون الإسلام؛ فداروا بين أمرين: إما أنهم مؤمنون، وإن كان إذا قيل أنهم مؤمنون لا يلزم أن يكونوا من السابقين، بل ولا من المقتصدين؛ فإنه ما من إمام من أئمة البدعة إلا وعنده تفريط في اتباع الحق.

ولهذا قال المصنف: "وإذا قيل فيمن قيل فيه من أهل البدع إنهم مؤمنون؛ فهم في الجملة من باب الظالم لنفسه، قال: لأن مقام التفريط لا ينفك عن أعيانهم وأئمتهم في الجملة".

والأمر الثاني: أن يكونوا من -إذا كانوا كفاراً- المنافقين، فتكون شهادتهم وصلاتهم وزكاتهم وصيامهم وحجهم البيت من باب النفاق.

أما من يقول هذه الشهادة ويصلي لله تديناً، ويصوم، ويحج البيت تديناً، فهذا لا يكون كافراً في نفس الأمر.

فإن قيل: إن جميع أهل البدع يظهرون الشعائر!

قيل: لا يلزم من إظهار الشعائر ثبوت الإيمان والإسلام في الحقيقة وفي حكم الله؛ لأنه قد يكون ذلك على جهة النفاق.

فإذا قال قائل: فإننا نسمع في كلام السلف أن بعض أعيان أهل البدع على إغلاظ في محادة الله ورسوله، والخروج عن السنن والأصول

وما إلى ذلك، ومع ذلك عرفوا بمقام من إظهار الشعائر الظاهرة.

قيل: وهنا الجواب -أيضاً- لا يتغير، وهو أن إظهار الشعائر لا يلزم منه الحكم بالإسلام ظاهراً وباطناً، بل هو حكم على الظاهر فقط، وقد يكون الواحد منهم منافقاً في نفس الأمر.

إذاً هذا الأصل لابد من فقهه: أن الواحد من أهل الصلاة لا يكون كافراً في نفس الأمر، إلا إذا كان ما يظهره من الصلاة ونحوها على جهة النفاق.

فمعنى قوله: "في نفس الأمر" أن الواحد من أئمة السلف، والسنة والجماعة، قد يذهب إلى تكفير مبتدع من أهل البدع؛ لأنه قال قولاً كفرياً في حكم الله ورسوله، وظهر لهذا الإمام من أئمة السنة أن هذا المعين قد قامت عليه الحجة فكفّره، فهذا الذي كُفِّر من أهل البدع، وهو يظهر الصلاة والشعائر الظاهرة، هل يكون كافراً مجزوماً بكفره ظاهراً وباطناً، أم يقال: هذا كافر ظاهراً فقط؟

يقال: المسألة فيها تفصيل ..

إن كان ما كفِّر به من القطعيات المعلومة من الدين بالضرورة، التي لا تحتاج إلى جدلٍ وتأويل، فلابد أنه يكون كافراً ظاهراً وباطناً، كمن قال من القدرية: إن الله لا يعلم ما سيكون ..

فإن هذا يكفر.

ولا يقال أن تكفيره اجتهاد، بل هو تكفير قطعي، والدليل على ذلك: أن السلف ما ترددوا في هؤلاء الأعيان من غلاة القدرية، لأن هذا كفر معلوم بالضرورة من دين الرسل جميعهم.

وأما إذا كان ما كفر به الإمام من أهل السنة هذا البدعي من المسائل التي دخلها إجمال، واشتباه، وتأويل عند بعض الأعيان أو بعض الطوائف، حتى إن الأئمة وهذا الإمام المعين لا يلتزم أن يكفر جميع من يقول بهذه المقالة، لكنه كفر واحداً من أعيان هذه المقالة لحال قامت عنده، نقول: إن تكفير هذا المعين -في الجملة- من باب الاجتهاد.

وهذا الكلام لا تدخل فيه الأحوال العارضة، مثلاً: لو أن هذا المجادل من أهل البدع أثناء المناظرة قال: أنا لا أؤمن برسالة النبي.

أو قال: أصلاً القرآن ما ذكر التوحيد، والتوحيد لا يعرف من القرآن.

فكفره الإمام بذلك، فإن تكفيره لا يكون بناءً على أصل الجملة الأولى التي يشترك هو وغيره فيها، بل هو لما طرأ.

إذاً: إذا كفره بطارئ قطعي، قيل: إن تكفيره قطعي، وأما إذا كفره بحسب الجملة الأولى التي يشترك هو وغيره فيها كالقول بخلق القرآن ..

فهذا التكفير اجتهادي.

<<  <  ج: ص:  >  >>