للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبواطنها، والمعيار الفاصل في هذه الأمور الشائكة، فحاص هنالك وحار، ثم رجح الكشف والنور الإلهي، وجعله هو المعيار.

يقول الغزالي: «وفي هذا المقام لأرباب المقامات إسرافٌ واقتصاد، فمن مسرف في رفع الظواهر انتهى إلى تغيير جميع الظواهر والبراهين أو أكثرها .. [ثم ذكر أن هؤلاء يجعلون كل ما ورد في المغيبات بلسان المقال إنما هو بلسان الحال، كما في سؤال منكر ونكير، ومناظرات أهل الجنة والنار .. الخ] وغلا آخرون في حسم الباب، منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه .. [إلى أن يقول]: والظن بأحمد بن حنبل رضي الله عنه أنه علم أن الاستواء ليس هو الاستقرار (!!)، والنزول ليس هو الانتقال (؟)، ولكنه منع من التأويل حسمًا للباب.

وذهبت طائفة إلى الاقتصاد، وفتحوا باب التأويل في كل ما يتعلق بصفات الله سبحانه، وتركوا ما يتعلق بالآخرة على ظواهرها، ومنعوا التأويل فيه، وهم الأشعرية (١). وزاد المعتزلة عليهم حتى أولوا من صفاته تعالى الرؤية، و ... وجملةً من أحكام الآخرة، ولكن أقروا بحشر الأجساد، وبالجنة، واشتمالها على الملاذّ المحسوسة، وبالنار واشتمالها على جسم محسوس محرق ...

ومن ترقيهم إلى هذا الحد زاد الفلاسفة، فأوّلوا كل ما ورد في الآخرة، وردوه إلى آلام عقلية وروحانية ... وأنكروا حشر الأجساد».

ثم فصل بين هذه الأقوال جميعها بقوله: «وحدّ الاقتصاد بين هذا


(١) راجع مناظرة الباطنية لهم وإلزامهم بهذا، وقد سبق ذكرها (ص١٠٠ - ١٠٢).

<<  <   >  >>