للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

ثم إنَّه - صلى الله عليه وآله وسلم - عزَمَ عليهم، فقال -فيما رواه الشيخان (١) -: "غُسْلُ الجمعةِ واجبٌ على كلِّ مُحْتَلِمٍ".

فكان لأهل العلمِ -نحوَ هذه النصوص- ثلاثةُ مسالك:

المسلك الأول: الوجوبُ مطلقًا؛ أخذًا بظاهر حديث أبي سعيد، وابن عباس.

المسلك الثاني: الإستحبابُ مطلقًا؛ أخذًا بظاهر حديث عائشة، وحديث الحسن عن سَمُرة.

المسلك الثالث: التفصيلُ في ذلك؛ وهذا الذي أفتى به ابنُ عباس، فقد روى أبو داود عنه -بسند حسن- عن عكرمة .. " [ثم ذكر - حفظه الله - الأثر المذكور في الباب].

ثم قال - سلَّمه الله -: "وروى مسلمٌ من قصة معاتبة عمر لعثمان - رضي الله عنهما - وقوله له: "والوضوءَ أيضًا! وقد علمتَ أن رسولَ الله - صلى الله عليه وآله وسلم - كان يأمر بالغسلِ".

قال الإمامُ الشافعيُّ -فيما نقله عنه الترمذيُّ-: "ومما يدلُّ على أنَّ أَمْرَ النبى - صلى الله عليه وآله وسلم - بالغُسْلِ يومَ الجمعةِ؛ أنه على الإختيار لا على الوجوب. حديث عمر؛ حيث قال لعثمان: "والوضوءَ أيضًا! وقد علمتَ أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - أَمَرَ بالغُسْلِ يومَ الجمعةِ"، فلو عَلِمَا أنَّ أمرَه على الوجوب لا على الاختيار؛ لم يتركْ عمرُ عثمانَ حتى يردَّه ويقول له: ارجِعْ فاغْتَسِلْ، ولما خَفِيَ على عثمان ذلك مع علمه. ولكن دلَّ في هذا الحديث أن الغُسْلَ يوم الجمعة فيه فضل من غير وجوب يجب على المرء في ذلك" (٢).

وفيه نُكتةٌ عزيزة: وهو أن غُسْلَ يومِ الجمعةِ مُستحبٌّ بإجماع الصحابة -بِقَيْدِهِ-، وهذا هو اختيار أبي العبَّاس؛ حيث أفتى بالاستحباب ما لمِ يكن به عَرَق، أو ريحٌ تؤذي غيرَه؛ فيجب، وفي هذا جَمْعٌ بين النصوص، وأخْذ بفقه السَّلَفِ.


(١) البخاري (٨٧٩)، ومسلم (٨٤٦) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
(٢) "السنن" (٤٩٧).