للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تكلَّم به؛ أنَّه حَمِدَ الله، وأثنى عليه، ثم قال: "إنَّ مكَّةَ حرَّمَها الله، ولم يحرِّمْها الناسُ (١)، فلا يَحِلُّ لامرئٍ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن يسفِكَ بها دمًا، ولا يَعْضِدَ (٢) بها شجرةً، فإنْ أحدٌ ترخَّص لقتالِ (٣) رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقولوا: إنّ الله أَذِنَ لرسُولِهِ، ولم يأذنْ لكم، وإنَّما أَذِنَ لي ساعةً من نَهارٍ، وقد عَادتْ حُرْمَتُها اليوم كحُرْمَتِها بالأمس، وَلْيُبَلِّغ (٤) الشَّاهدُ الغَائِبَ". فقِيل لأبي شُريحٍ: ما قالَ لكَ؟ قال: أنا أعلمُ بذلكَ مِنك يا أبا شُريحٍ (٥)! إنَّ الحرمَ لا يُعيذُ عَاصيًا ولا فارًا بدمٍ، ولا فارًّا بخَرْبَةٍ (٦).


(١) قال القرطبي في "المفهم" (٣/ ٤٧٤): "يعني: أن الله حرمها ابتداءً من غير سبب يُعزى إلى أحدٍ ولا مقدمةٍ، ولا لأحدٍ فيه مدخلٌ؛ لا نبيٌ ولا عالمٌ، ولا مجتهدٌ. وأكَّد ذلك المعنى بقوله: "ولم يحرمها النَّاس" لا يقال: فهذا يعارضه قولُه في الحديث الآخر: "اللهم إن إبراهيم حرَّم مكة، وإنِّي أحرِّم المدينة"؛ لأنا نقول: إنما نسب الحكم هنا لإبراهيم لأنه مبلغه، وكذلك نسبته لنبيِّنا - صلى الله عليه وسلم -، كما قد ينسب الحكم للقاضي لأنه مُنَفّذُه، والحكم لله العليِّ الكبير بحكم الأصالة والحقيقة". وكلام القرطبي هذا "ما أحسنه وأعلاه، وبه يزول التعارض، ولله الحمد"، كما قال ابن الملقن.
(٢) أي: لا يقطع.
(٣) في "أ": "بقتال"، وهي رواية مسلم، والمثبت من الأصل وهي رواية البخاري.
(٤) المثبت من "أ"، وهو الموافق لما في الصحيحين، وأما الأصل ففيه: "فليبلغ".
(٥) عقب على هذا القول ابن حزم بأسلوبه المعروف، ولسانه المعهود، فقال في "المحلى" (١٠/ ٤٩٨): "لا كرامة للطيم الشيطان الشرطي الفاسق، يريد أن يكون أعلم من صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بما سمعه ذلك الصاحب رضي الله عنه من فم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإنا لله وإنا إليه راجعون على عظيم المصاب في الإسلام ... وما العاصي لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - إلا الفاسق عمرو بن سعيد، ومن ولّاه وقلَّده، وما حامل الخربة في الدنيا والآخرة إلا هو، ومن أمّره، وأيّده، وصوّب قوله".
(٦) رواه البخاري (١٠٤)، ومسلم (١٣٥٤).
وقال المصنف في "الصغرى": "الخربة: بالخاء المعجمة والراء المهملة. قيل: الجناية. وقيل: =