للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحقيقة التوكل القيام بالأسباب، والاعتماد بالقلب على المسبِّب، واعتقاد أنها بيده، فإن شاء منعها اقتضاءها، وإن شاء جعلها مقتضية لضد أحكامها، وإن شاء أقام لها موانع وصوارف تعارض اقتضاءها وتدفعه" (١).

ثم قال - رحمه الله -: " فإذا جمعت بين هذا التوحيد وبين إثبات الأسباب استقام قلبك على السير إلى الله، ووضح لك الطريق الأعظم الذي مضى عليه جميع رسل الله وأنبيائه وأتباعهم، وهو الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم" (٢).

إلى أن قال - رحمه الله -: " وقد جمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بين هذين الأصلين في الحديث الصحيح حيث قال: "احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز" (٣)، فأمره بالحرص على الأسباب والاستعانة بالمسبِّب، ونهاه عن العجز، وهو نوعان: تقصير في الأسباب وعدم الحرص عليها، وتقصير في الاستعانة بالله وترك تجريدها، فالدين كله، ظاهره وباطنه، شرائعه وحقائقه تحت هذه الكلمات النبوية" (٤).

ثم إن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب، وما سبق في علم الله وحكمه لا ينافي إثباتها، ولا يقتضي إسقاطها، قال ابن القيم - رحمه الله -: " وما سبق به علم الله وحكمه حق، وهو لا ينافي إثبات الأسباب ولا يقتضي إسقاطها، فإنه سبحانه قد علم وحكم أن كذا وكذا يحدث بسبب كذا وكذا، فسبق العلم


(١) مدارج السالكين: ٣/ ٤٩٩.
(٢) المصدر السابق: ٣/ ٥٠٠.
(٣) صحيح مسلم، كتاب القدر، باب: في الأمر بالقوة وترك العجز والاستعانة بالله وتفويض المقادير لله: ٤/ ٢٠٥٢ برقم (٢٦٦٤).
(٤) مدارج السالكين: ٣/ ٥٠١. وانظر: مجموع الفتاوى: ٨/ ١٧٥، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل لابن القيم، تحقيق: مصطفى أبو النصر الشلبي، مكتبة السوادي، جدة، ط ٢: ٢/ ٨٢.

<<  <   >  >>