للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقرآن مملوء من ترتيب الأحكام الكونية والشرعية على الأسباب بطرق متنوعة (١).

والحوادث في عالم الكائنات سواء كانت من الذوات أو من الأفعال البشرية أو الحيوانية فلابد لها من أسباب متقدمة عليها، بها تقع في مستقر العادة، وعنها يتم كونها.

وكل واحد من هذه الأسباب حادث أيضا، فلابد له من أسباب أخر، ولا تزال تلك الأسباب مرتقية حتى تنتهي إلى مسبب الأسباب وموجدها وخالقها سبحانه لا إله إلا هو قال تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} (٢).

"وتلك الأسباب في ارتقائها تتفسح وتتضاعف طولا وعرضا ويحار العقل في إدراكها وتعديدها، فإذن لا يحصرها إلا العلم المحيط" (٣) - أي علم الله - قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} (٤).

ولا فرق في ذلك بين الحادث الذي يقع مرة واحدة، والحادث الذي يقع ملايين المرات فكلها تتوقف في بادئ الأمر على إرادة الخلق والإنشاء، قال تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (٥)، فالخالق


(١) انظر: مدارج السالكين: ٣/ ٤٩٨، والجواب الكافي: ١٩.
(٢) الزمر: ٦٢.
(٣) مقدمة ابن خلدون لعبد الرحمن بن محمد بن خلدون، تحقيق: علي عبد الواحد وافي، دار نهظة مصر، القاهرة، ط ٤: ٣/ ٩٩٦، وانظر قصة الإيمان بين الفلسفة والعلم والقرآن لنديم الجسر: ٦٧، لبنان.
(٤) الطلاق: ١٢.
(٥) يس: ٨٢.

<<  <   >  >>