للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله تعالى هو المتفرد بعلم الغيب والجزم بوقوع شيء غائب على سبيل التحقيق من ادعاء علم الغيب الذي نهى الله عنه، كما في قوله تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (١).

قال القرطبي (٢) - رحمه الله -: " قال علماؤنا: أضاف سبحانه علم الغيب إلى نفسه في غير ما آية من كتاب الله، إلا من اصطفى من عباده فمن قال: إنه ينزل الغيث غداً وجزم به فهو كافر، أخبر عنه بأمارة ادعاها أم لا" (٣)؛ لادعائه لعلم استأثر الله به، أما إذا لم يجزم بذلك، وجعل هذا الحكم بحسب العادة والتجربة فلا يكفر ولا يفسق، بل يجوز ذلك؛ لأن الله تعالى أجرى العوائد، وجعل لبعض المغيبات علامات تدل عليها، قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (٤).

قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (٥).


(١) الأنعام: ٥٩.
(٢) هو أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر القرطبي المالكي المفسر، من مصنفاته: الجامع لأحكام القرآن، والتذكرة بأمور الآخرة، والكتاب الأسنى في أسماء الله الحسنى، وغيرها من الكتب، توفي عام ٦٧١.
انظر: الديباج المذهب لمعرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون المالكي، تحقيق: محمد الأحمدي أبو النور، دار التراث، القاهرة، ط ٢: ٢/ ٢٤٣، وشذرات الذهب: ٧/ ٥٨٤.
(٣) تفسير القرطبي: ٧/ ٢.
(٤) الأعراف: ٥٧.
(٥) الروم: ٤٦.

<<  <   >  >>