للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالله - عز وجل - لم ينسب موسى - عليه السلام - إلى الجهل بسؤال الرؤية، ولم يقل إني لا أرى، بل علق الرؤية على استقرار الجبل، واستقرار الجبل على التجلي غير مستحيل إذا جعل الله تعالى له تلك القوة، والمعلق بما لا يستحيل لا يكون محالا.

وهذا من أدلة رؤية المؤمنين لربهم، ولكنهم لا يرونه في الدنيا، وإنما يرونه في الآخرة، كما وردت بذلك الآيات والأحاديث الصحيحة، قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (١)، وقال تعالى في الكفار: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (٢)، فإنه يفهم من مفهوم مخالفته أن المؤمنين ليسوا محجوبين عنه جل وعلا (٣). وقال - صلى الله عليه وسلم -: " تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه - عز وجل - حتى يموت" (٤).

[ثانياً: توحيد الألوهية]

سبق في المبحث السابق - الأرض (٥) - أن الله -تعالى- يذكر ويعدد من دلائل إنفراده بالتصرف والخلق - في الأرض وغيرها - مما هو مشاهد وأضح الدلالة على المشركين لإفراد الله - عز وجل - بالعبادة (٦)، وذكر منها الجبال التي جعلها الله رواسي، قال تعالى: {أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا


(١) القيامة: ٢٢ - ٢٣.
(٢) المطففين: ١٥.
(٣) انظر: الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة لأبي عبدالله عبيد الله بن محمد بن بطة، تحقيق: الوليد بن سيف نصر، دار الراية، الرياض، ط ١: ٣/ ٥٩، وكتاب التوحيد لابن خزيمة: ١/ ٣٥٤.
(٤) صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر ابن صياد: ٤/ ٢٢٤٤ برقم (١٦٩).
(٥) ص: ٣٩٩.
(٦) التحرير والتنوير: ٢٤/ ١٨٩، ١٧/ ٥٧، وانظر: تفسير ابن كثير: ٧/ ٣٩٦.

<<  <   >  >>