للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأنه أخذ يومًا درجًا من الكاغد، وجعل يعبث به، وبقي بعضه في يده، فعجب الحاضرون فقال: اصنعوا منارة الجامع على هذا المثال، وهي قائمة اليوم على ذلك. قال: ولما تم بناء الجامع رأى ابن طولون في منامه كأن الله تجلى للقصور التي حول الجامع، ولم يتجل للجامع، فسأل المعبرين، فقالوا: يخرب ما حوله، ويبقى الجامع قائما وحده. قال: ومن أين لكم هذا؟ قالوا: من قوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} (١) . وقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا تجلى الله لشيء خضع له"، فكان كما قالوا.

وفي الخطط للمقريزي: بنى أحمد بن طولون جامعه على بناء جامع سامراء، كذلك المنارة، وبيضه وحلقه وفرشه بالحصر العبدانية، وعلق فيه القناديل المحكمة لسلاسل النحاس المفرغة الحسان الطوال، وحمل إليه صناديق المصاحف، وكان في وسط صحنه قبة مشبكة من جميع جوانبها، وهي مذهبة على عشرة عمد رخام مفروشة كلها بالرخام، وتحت القبة قصعة رخام سعتها أربعة أذرع، وسطها فوارة تفور بالماء، وكانت على السطح علامات للزوال وأسطح بدرابزين ساج، فاخترق هذا كله في ساعة واحدة في ليلة الخميس لعشر خلون من جمادى الأولى سنة تسع وسبعين وثلاثمائة، فلما كان في محرم سنة خمس وثمانين وثلاثمائة؛ أمر العزيز بالله بن المعز ببناء فوارة عوضا عن التي احترقت.

قال المقريزي: ولما كمل بناء جامع بن طولون صلى فيه القاضي بكار (٢) إمامًا، وخطب فيه أبو يعقوب البلخي، وأملى فيه الحديث الربيع بن سليمان تلميذ الإمام الشافعي، ودفع إليه أحمد بن طولون في ذلك اليوم كيسا فيه ألف دينار (٣) . وعمل الربيع


(١) سورة الأعراف آية: ١٤٣.
(٢) المقريزي: "بكار بن قتيبة القاضي".
(٣) المقريزي: "فلما فرغ المجلس خرج إليه غلام بكيس فيه ألف دينار وقال: يقول لك الأمير: نفعك الله بما علمك؛ وهذه لأبي طاهر -يعني ابنه- وتصدق أحمد بن طولون بصدقات عظيمة فيه، وعمل طعاما عظيما للفقراء والمساكين وكان يومًا عظيمًا".