للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضهم:

تبين أن صدر الأرض مصر ... ونهداها من الهرمين شاهد

فواعجبا وقد ولدت كثيرًا ... على هرم وذاك النهد ناهد

ولما عدى القاضي شهاب الدين (١) بن فضل الله إلى الأهرام، كتب إلى الأمير الجائي الداوادار، وذلك سنة تسعة وعشرين وسبعمائة، قال:

لي البشارة إذا أمسيت جاركم ... في أرض مصر بأني غير مهتضم

حفظتمو لي شبابي في ظلالكم ... مع أنكم قد وصلتم بي إلى الهرم

ويقبل الأرض، ويحمد الله على أن شرح له في ظل مولانا صدرًا، وأوجد النجح لأمانيه التي قيل لها اهبطي مصرًا؛ حتى أقرت بها منتهى الرحلة، واتخذ بها بيوتًا جعل أبوابها من قصر مولانا إلى قبله. ويُنهِي أنه كان يستهول البحر أن يركب لججه، أو أن يصعد في أمواجه العالية درجة، ثم ترك لما يقر به من خدمة مولانا الوجل، وأفكر فيما أحاط به من كرمه، فقال: "أنا الغريق فما خوفي من البلل" (٢) .

فركب حراقة لا يطفئ لهيبها الماء القراح، ولا تثبت منها العيون سوى ما تدرك من هفيف الرياح، ثم أفضى إلى غدران تحف بها رياض تملأ العين، وتتخلى منها بماء جمد عليه الزمرد وذاب اللجين، وختم يومه بالنزول في جيزة مولانا التي أمن بها من النوب، وبلغت منها إلى هرمين، علم بهما أن هذه الأيام الشريفة أعراس وهما بعض ما تزينت به من اللعب.

ومن ذلك رسالة لضياء الدين بن الأثير في وصف مصر:


(١) ح، ط: "الفضل بن فضل الله".
(٢) تضمين بين للمتنبي، صدره:
والهجر أقتل لي مما أراقبه